المديرية العامة للأمن الوطني تحدث المنصة الرقمية الجديدة "إبلاغ" لمحاربة الجرائم الرقمية    أروقة الأمن الوطني تستقبل المغاربة .. الشرطة العلمية و"مسرح الجريمة"    باحثون شباب يستعدون لتطوير مشغل ذكاء اصطناعي باللهجة الدارجة المغربية    لاعبات وطاقم المنتخب النسوي لأقل من 17 سنة يعبرون عن سعداتهم بالتأهل على حساب الجزائر (فيديو)    طقس السبت..جو حار وأمطار بهذه المناطق!    الوزيرة حيار في عين العاصفة بسبب دعم تدريس الأطفال في وضعية إعاقة    المديرية العامة للأمن الوطني تحدث منصة لمحاربة الجرائم الرقمية        مقاولات جهة طنجة-تطوان-الحسيمة توفر أكثر من 450 ألف منصب شغل سنة 2022    المغرب يفرض رسوم مكافحة إغراق السوق على سلعة تركية    الفيفا تقر تعديلا يمنع انتقال أي لاعب من أي بلد ليس عضوا في الأمم المتحدة    افتتاح بيت الحمية المتوسطية بشفشاون..تكريم ثقافة عريقة وتعزيز التنمية المستدامة    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    "البيجيدي" يطالب بالتحقيق في تسويق منتجات غذائية مصنوعة من المخدرات    السجن مدى الحياة لمغربي لإدانته بقتل بريطاني "ثأرا" لأطفال غزة    لأول مرة .. المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا    المنتخب الوطني يدك شباك نظيره الجزائري في عقر داره    توقيع اتفاقية إطار بين الأمن ومجموعة العمران وولاية جهة سوس ماسة    لبؤات الأطلس ينهين الشوط الأول على إيقاع التقدم على المنتخب الجزائري    جامعة محمد الخامس "الأفضل في المغرب"    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    ملف إسكوبار الصحراء.. محاكمة بعيوي تبدأ في هذا التاريخ    كيف يتم تحميص القهوة؟    الطالبي العلمي يجري مباحثات برلمانية بالصين    مباحثات تجمع أخرباش بوفد من أذربيجان    سانشيز يعلن الأربعاء موعد الاعتراف بفلسطين    إسرائيل: حرب غزة "ليست إبادة جماعية"    الخزينة تكتتب ما يعادل 3,4 مليار درهم في سوق السندات ما بين 8 و 15 ماي    منظمات الإغاثة تحذر من تحديات متزايدة في عملياتها في قطاع غزة    القائد محمد الحيحي كما عرفته    القمة العربية في مواجهة التحديات    العصبة الاحترافية تحدد تاريخ إجراء مواجهة "الديربي البيضاوي"    السيد العمراني يلتقي أجاي بانغا.. إرادة قوية لتعزيز التعاون بين البنك الدولي والمغرب    انخفاض ملموس في المساحات الغابوية المتضررة من الحرائق سنة 2023    أخبار الساحة    الجزائر.. نظام العسكر يلجأ لتوظيف مؤسساتها التعليمية لتحريض الأجيال الصاعدة ضد المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    دول غربية تحث إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي في غزة    المحكمة الدستورية تقبل استقالة مبديع وتدعو وصيفه لشغل مقعده بمجلس النواب    تراجع جديد يخفض أسعار بيع "الغازوال" والبنزين بمحطات الوقود بالمغرب    وَصَايَا المَلائِكةِ لبَقَايَا البَشَرْ    وجهة خطر.. بين مسلم ورمضان لم تثْبت رؤية هلال الكِتاب!    البرازيل تستضيف كأس العالم للسيدات 2027    شراكة تثمّن الإمكانات الغنية للسياحة القروية    ألمانيا تطلق هذه المبادرة لدعم خلق فرص شغل في المغرب    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    هل يقبل المغرب دعوة أمريكا للمشاركة في قوات حفظ سلام بغزة؟    بسبب محمد رمضان وسعد لمجرد.. بطمة تعرب عن غضبها    "ولد الشينوية" أمام القضاء من جديد    احتفاء بسعيد يقطين .. "عراب البنيوية" ينال العناية في المعرض للدولي للكتاب    "ألوان القدس" تشع في معرض الكتاب    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    الأمثال العامية بتطوان... (600)    ما دخل الأزهر في نقاشات المثقفين؟    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون يسبحون خارج التاريخ والواقع
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022


1. الرئيسية
2. آراء
الإسلاميون يسبحون خارج التاريخ والواقع
سعيد الكحل
الأربعاء 27 دجنبر 2023 - 15:11
تتعدد مكونات تيار الإسلام السياسي تنظيميا وتختلف سياسيا لكنها تتوحد في موقفها من تعديل مدونة الأسرة. وهذا الموقف ليس وليد اليوم، بل اتخذته منذ الإعلان عن عريضة مليون توقيع من طرف الاتحاد النسائي، في بداية تسعينيات القرن العشرين؛ إذ أعلنت معارضتها الشديدة لأي تعديل لبنود مدونة الأحوال الشخصية. وقد شددت تلك التنظيمات، حينها، على "قدسية" المدونة التي لا ينبغي المساس بها، علما أن بنودها اجتهاد بشري أملته ظروف تاريخية واجتماعية لم تعد قائمة. وعلى مدار ثلاثة عقود لم تقدّم تنظيمات الإسلام السياسي مقترحات تعديل المدونة تنسجم مع قيم العصر وتستجيب للمتغيرات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المجتمع المغربي، وإنما اكتفت بمناهضة المطالب النسائية من أجل رفع كل أشكال الظلم الاجتماعي والعنف المبني على النوع.
أي نموذج للأسرة يقدمه الإسلاميون؟
يلاحظ المتتبع لما تنشره المواقع التابعة لتنظيمات الإسلام السياسي أن هذه الأخيرة تتنكر لنضالات الحركة النسائية ولأهمية المكاسب الحقوقية التي حققتها لعموم نساء المغرب بمن فيهن نساء تلك التنظيمات اللائي استفدن منها رغم مناهضتهن لها. وتعلل تلك التنظيمات مواقفها المناهضة لتعديل المدونة بكون هذه الأخيرة تشكل المجال الوحيد الذي تطبق فيه أحكام الشريعة، ومن ثم فإن الأسرة بحاجة إلى تطبيق التعاليم الدينية أكثر من حاجتها إلى القوانين. وهذا ما أكد عليه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله ابن كيران، خلال الملتقى الجهوي النسائي لحزبه يوم 2 ديسمبر2023، من "أن الأسرة لا يمكن ضبطها وتنظيم علاقاتها وضمان استقرارها بالقوانين فقط، بل أساسا عبر الالتزام بالدين والخوف من الله، وبالمعقول والنية". وإذا احتكمنا إلى هذا المنطق فينبغي أن تكون الأسر المنتمية للتنظيمات الإسلامية نموذجا في المودة والسكينة وخالية من الصراعات والمشاكل العائلية التي تعاني منها الأسر المغربية عموما وتتمتع فيها النساء بحقوقهن. بينما الواقع يشهد خلاف ذلك، إذ لا تخلو أسر الإسلاميين من ذات المشاكل والصراعات التي تشهدها عموم الأسر. وقد شهدت قاعات المحاكم دعاوى التطليق للشقاق رفعتها نسوة من التنظيمات الإسلامية بعدما فشلت "التعاليم الدينية" في تجاوز مسبباتها. وبذلك تثبت تلك التنظيمات أهمية القوانين في معالجة المشاكل الأسرية التي لا يمكن مواجهتها إلا بقوانين زجرية، أو كما قال الخليفة عثمان بن عفان "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". وإذا كان الإسلاميون موقنين أن أسرهم ليست بحاجة إلى قوانين حتى تحافظ على استقرارها، فما عليهم سوى التراجع عن مناهضة المطالب النسائية مادامت نساؤهم مستغنيات عنها ولسن بحاجة إليها.
تكريس ظلم النساء باسم الدين.
إن التبريرات التي يقدمها الإسلاميون لمناهضتهم المطالب النسائية تكشف عن عداء صريح للنساء وإصرار على استغلالهن باسم الدين. فما يهم الإسلاميين ليس الدين ومقاصد الشريعة، بقدر ما يهمهم الإخلاص لثقافتهم الذكورية وعقائدهم الإيديولوجية التي تتعامل مع المرأة ككائن قاصر لا يحسن الاختيار ولا يجيد التدبير. لهذا ناهضوا ولاية المرأة على نفسها في الزواج وحرّموا عليها، عقودا، المشاركة في الانتخابات والعضوية في المؤسسات التشريعية، كما حرّموا عليها تولي مهن القضاء بتعلة أن النساء "ناقصات عقل".
لقد تجاوز الإسلاميون امتهان المرأة إلى أكل أموالها بالباطل مستعصمين بالتراث الفقهي الذي أنتجته بيئة اجتماعية وثقافية وسياق تاريخي طواهما الزمان. ومما يتشبث به الإسلاميون دون غيرهم من الأحزاب السياسية المغربية، نظام "التعصيب" الذي لا أساس له في القرآن الكريم. ذلك أن المذكرات التي قدمتها التنظيمات الإسلامية (حركة التوحيد والإصلاح، حزب العدالة والتنمية، القطاع النسائي)، وكذا التصريحات والمقالات التي صدرت عن قياداتها وكتبتها، تشدد على عدم المساس بالتعصيب عند تعديل مدونة الأسرة. إذ جاء في مذكرة حركة التوحيد والإصلاح المقدمة إلى لجنة تعديل المدونة أن "نظام الإرث في الإسلام مصدره العليم الحكيم وهو جزء من نظام الأسرة بأحكامها المتعددة، وكل تدخل فيه بالتغيير قد يؤثر على أحكام أخرى". ففي مقالة للأستاذ خالد الصمدي بتاريخ 8 ديسمبر 2023، نجده متشبثا بالتعصيب ويقدم تبريرات منفصلة عن الواقع الاجتماعي كالتالي (فقد حدد الله تعالى نصيب البنت إذا انفردت في نصف التركة لوحدها "فلها نصف ما ترك" والنصف الآخر يرثه باقي الورثة من العصبة الذكور، ممن هم ليسوا من درجتها بينهم بالتساوي وإن كانوا بالعشرات. وهو الذي أعطى لمتعدد من الإخوة الاناث الثلثان بالتساوي فيما بينهم إذا لم يكن معهم وارث ذكر من درجتهم، حين قال "فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن الثلثان مما ترك"، والثلث الباقي للوارثين عصبة الذكور إن وجدوا وإن كانوا بالعشرات أيضا، فيكون نصيب البنت أكبر بكثير من نصيب أي واحد من هؤلاء الذكور، وفي كل هذه الحالات أيضا تبقى نفقة الإناث واجبة على الذكور بالتضامن فيما بينهم الى أن يوجد لهم من يعيلهم ويصون كرامتهم وحرمتهم).
رغم تحمل السيد الصمدي لمسؤولية حكومية ضمن أعضاء من حزبه بينهم وزير العدل السيد مصطفى الرميد، فهو يعاند الواقع وينكر المآسي التي تسبب ويتسبب فيها العصبة للأسر التي لم ترزق ذكورا، بحيث لم تأخذهم رحمة ولا شفقة وهم يشردون البنات ويستحوذون على نصيب من التركة التي لم يساهموا إطلاقا في تحصيلها. وكان على الصمدي أن يستفسر زميله الرميد عن حجم الملفات المعروضة على القضاء في هذا الخصوص قبل أن يخط مقالته. إذ كيف لمن شرّدوا البنات أن يتكفلوا بهن ويؤووهن من الضياع ؟ هل اطلع سيادته على المادة 197 من مدونة الأسرة التي تنص على أن (النفقة على الأقارب تجب على الأولاد للوالدين وعلى الأبوين لأولادهما طبقا لأحكام هذه المدونة)؟ هل درس حضرته التراث الفقهي؟ ألم تستوقفه قاعدة "الردّ"؟ وهل يعلم بوجودها وتطبيقها من طرف الرسول (ص) وصحابته؟ أمام هذا التنكر والتجاهل من سيادته، وهو المتخصص في الدراسات الإسلامية، ندعوه إلى الاطلاع على أقوال عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب وعثمان بن عفان وابن عبّاس وابن مسعود وجابر بن عبدالله [= جابر بن يزيد] وشريح وعطاء ومجاهد وتَبِعهم في القول بالرد الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد في أشهر الروايتين عنه. وقد ذهب عثمان بن عفان وجابر بن يزيد إلى القول بأن يُرد الفائض على جميع أصحاب الفروض حتى على الزوج والزوجة. هؤلاء، يا حضرة الوزير السابق، ليسوا من الصنفين اللذين ذكرتهما في مقالتك كالتالي:
"الصنف الأول لا يؤمن بالقرآن أصلا ومع ذلك يسمح لنفسه بالدخول في تأويله، فالنقاش معه ينبغي أن يكون في أصل الايمان بالقرآن المنزل من الرحمن قبل الدخول معه في أية تفاصيل بالحجة والبرهان، وهذا الصنف ينبغي أن يكون منسجما مع نفسه ومع قناعاته فينآى بنفسه عن النقاش الدائر بين المؤمنين بالقرآن حول قطعياته وفهمها وتأويلها وتنزيلها.
أما الصنف الثاني فهو الذي يؤمن بالقرآن، لكنه يحاول أن يفتح كل نصوصه على الفهم والتأويل دون تمييز بين المحكم والمتشابه من آياته دون حجة أو برهان، ويزعم أن حرص البعض على الدفاع عن. شيء اسمه "قطعيات القرآن" إنما هي قضية يختزلها في فهم فئة مجتمعية ذات توجهات معينة لنصوص الدين لتحقيق مكاسب سياسية لا أقل ولا أكثر".
إنهم صحابة رسول الله (ص) وأئمة المسلمين فهموا القرآن وأفتوا بما يصون حقوق الإناث ويحميهن من العصبة. وعلى هذا النهج ينبغي اعتماد قاعدة الرد وإلغاء التعصيب نهائيا من نظام الإرث تحقيقا للعدل الذي هو من مقصد الشريعة وهدفها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.