لا جديد في سياسة الكيان الصهيوني الإجرامية، ولا جديد في التفاعل السلبي للدول العربية والإسلامية وشعوبها مع تلك السياسة. هذه هي خلاصة قصة القضية الفلسطينية اليوم، قصة لا تحمل أي تعقيد لمن تهمه النتائج فقط، فعندما ترى إسرائيل أنها قد قضت "وترها الدموي" من هجوم سلاحها الجوي الأخيرعلى غزة، فسوف توقف هجماتها الغاشمة، وتنتظر جني ثمارها وهي تستعد لفصل إجرامي جديد. وعلى مستوى الدول العربية والإسلامية وشعوبها، سوف يندد الجميع بأشد عبارات التنديد، تم يتراجع كل شيء ويبقى الغزاويون في أرضهم يحصون موتاهم و يعالجون جرحاهم، ويعيدون ترميم مساكنهم، وينتظرون أن تفي هذه الدولة وتلك بوعودها المالية من أجل إعادة البناء وشراء الدواء وإعادة الربط بالكهرباء والماء. لكن هذه الخلاصة في حد ذاتها إدانة كافية لنا جميعا، إدانة على عدم تجديد سياسات التعامل مع القضية الفلسطينية دولا وشعوبا لإخراجها من الحلقة المفرغة والقاتلة التي تدور فيها، والتي يستأصل فيها الشعب الفلسطيني بالتقسيط مقابل تنامي المد السرطاني للاستيطان، وتموت فيه القضية الفلسطينية لدى الشعوب ودولها، حين يتم تكريسها قضية يتم التعامل معها فقط بإعلان التنديد وتقديم بعض الدعم المادي والعزاء المعنوي. الكيان الإجرامي لم يعدم قط أعذارا في سفك الدماء وإلحاق الدمار بالعمران في فلسطين. و اليوم يبرر قتل أزيد 162 فلسطينيا وجرح 1085 آخرين من الثلاثاء 8 يوليوز إلى حدود صباح يوم الأحد 13 يوليوز 2014 وهدم عشرات من المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية من خلال مئات الغارات الجوية، في حرب إبادة حقيقية، يبرر ذلك كله بسقوط بضع صواريخ لم يمت من جرائها أحد ولا هدم بسببها بناء. والعرب والمسلمون، دولا وشعوبا، لم يعدموا هم الآخرين مبررات الإبقاء على نفس ردود الفعل، تنديد ودعم مالي ومسيرات وشعارات … فهم يقومون جميعا بواجب الدعم والنصرة: الدول لتعذر إلى شعوبها، و الشعوب لتريح ضميرها وتعذر إلى الله. الدول تبحث عن عزاء سياسي أمام الشعوب، و الشعوب تبحث عن عزاء نفسي يرضي الضمير. والنتيجة: تتقدم جرائم إسرائيل لاستئصال الشعب الفلسطيني، وتتراجع إمكانية ردعها على مستوى الأمة. و كما هو معلوم فالأحمق وحده هو من يقوم بنفس ردود الفعل للحصول على نتائج مختلفة. إن "استراتيجيات" دعم القضية الفلسطينية يجب أن تراجع بشكل جذري، مراجعة وتجديدا يضفيان عليها الفاعلية والقوة. إن المدخل إلى قلب المعادلة لصالح القضية يكمن في تفعيل دور الدول العربية و الإسلامية من خلال شعوبها وأحزابها، بحملها على ممارسة الضغوط الحقيقية و الناجعة على المنتظم الدولي. و هذه الخطوة ستكون ممكنة حين يمارس ضغط حقيقي على تلك الدول من طرف الأحزاب و الشعوب معا، ولحمل الأحزاب السياسية على القيام بدورها السياسي الضاغط على الحكومات، وبدورها التشريعي المحاصر للتطبيع، ينبغي للشعوب أن توجه ضغطها تجاه تلك الأحزاب. إن كل نضال شعبي لا يسعى إلى تغيير المعادلة وفق استراتيجية سلسلة الضغط المشار إليها، هو جهد أثره الوحيد هو إبقاء القضية حية في الأذهان، و قد يكون هذا بعينه سياسة رسمية مقصودة لتنفيس غضب تلك الشعوب لا غير. فمتى يقرر المتضامنون مع القضية الفلسطينية توجيه غضبهم نحو صانعي القرار في بلدانهم، من أجل استعادة شيء من الفاعلية في نصرة القضية؟ إن الذي جعل "إسرائيل" تتجرأ على الاستيطان وعلى القتل والاعتقال بحرية، ليس وجود فلسطينيين لم يستسلموا، بل وجود أمة بحجم المليار ونصف وزيادة، لا تحسن سوى التنديد وبلهجة شديدة. إنه فقط حين تتوجه جهود النصرة والتضامن، بمسيراتها ووقفاتها وشعاراتها، نحو مقرات الأحزاب، لحملها على القيام بما يفيد القضية، حينها فقط يجب أن يطمئن ضميرها إلى أنها على الطريق، وما أكثر ما باستطاعة الأحزاب فعله، ولعل أوله في المغرب الضغط عليها لإخراج قانون منع التطبيع بعد تنقيحه من بعض النقائص… إن هذا هو طريق النصرة و التضامن الحقيقي مع غزةوفلسطين، أما الوقفات التضامنية التقليدية فهي فقط للإبقاء على القضية حية في نفوسنا، وليس لإنتاج أرقام تتحول في حد ذاتها إلى منجزات يتباهى بها البعض، ويزايد بها البعض الآخر. إنه حين نتجاوز "الهذر النضالي" و نغير مجرى الوقفات والمسيرات لتكون أداة نضال وطني حقيقي مع القضية ولصالحها، بالضغط على الدول و الأحزاب معا، بما يجعل لتلك الوقفات عمقا تأثيريا واضحا، وليس مجرد ديكور سياسي قد يراد به فقط تنفيس الغضب الشعبي، حينها فقط يمكن الحديث عن الدعم والنصرة للقضية الفلسطينية في الوقفات والمسيرات