في الذكرى الثالثة لمقتل معمر القدافي وإسقاط جماهيريته العظمى، ما زالت لعنته تطارد أعداءه، سواء من مواطنيه الذين انساقوا وراء لهيب "الربيع العربي"، أو من قادة الغرب الذين هبوا للظفر بخيرات ليبيا النفطية والاستيلاء عليها. فليبيا منذ مقتل القدافي لم تعرف يوما هادئا، الاقتتال على أشده بين المليشيات المتحاربة، والانفجارات ترصع خريطة المدن والقرى الليبية بنيرانها. أما في الغرب، فالرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الذي كان وراء قرار تصفية قائد الثورة الليبية، لمحو آثار أسرار تورطه في تلقي أموال ليبية لدعم ترشيحه للرئاسة الفرنسية، لا زال يجرجر أمام المحاكم بتهم مختلفة حتى اليوم، ورغم محاولاته الرجوع إلى المشهد العام كفاعل سياسي لم يقل كل كلامه بعد. أما منظره الفيلسوف بيرنارد هنري ليفي فالشائعات الجنسية تلاحقه ونجمه يخبو يوما بعد يوم. آخر الضحايا من الفرنسيين دائما، هو كريستوف دي مارجيري (63 عاما)، الرئيس المدير العام لشركة "طوطال" ، الذي توفي في حادث سقوط طائرة ليلة أمس في مطار روسي. "طوطال" هي الشركة الفرنسية التي من أجل إنقاذها من الإفلاس ، قام ساركوزي بعسكرة السياسة الخارجية للإليزي، وكان وراء تجييش صواريخ حلف الناتو لإنهاء حكم الدكتاتور الليبي، والانقلاب على حليف الأمس الذي تسلف منه ملايين الدولارات لدعم حملته الانتخابية. ساركوزي الذي حاول مع القذافي عقد صفقة اقتصادية وسياسية مربحة بقيمة عشرة مليارات دولار، لكن القذافي رفض توقيع الصفقة مرة واحدة، وعمد إلى تجزئتها على دفعات، وكل دفعة تعادل مليارين ونصف، تسلمت منها طرابلس طائرات عمودية. وسيكتم ساركوزي غضبه عندما مازحه القذافي بأنه نسي دفتر شيكاته لتوقيع الصفقة كاملة. وهي المزحة التي كان ثمنها رأسه ونظامه. هكذا ستنكشف بسرعة اللعبة الفرنسية في ليبيا، وستتضح أهدافها وأوراقها وتوازناتها الداخلية والخارجية. وهذا ما أكدته مقالات صحف فرنسية، حين كتبت:"إن الرئيس ساركوزي، لا يهمه حقوق الإنسان ولا ثوار ليبيا، وإنما يهمه النفط الليبي أولا وأخيرا ويهمه الانتصار والإحساس بالنصر على مستعمرات طردت منها فرنسا بذلة"، ولهذا كان الجهد الفرنسي واضحا في حظر الطيران والقصف الجوي، والاعتراف بالمجلس الوطني، وإرسال سفير لبنغازي، ناهيك عن وجود نشاط استخباري متقدم في ليبيا. يقول الخبراء والمحللون الاقتصاديون إن "عملية الصراع الجارية اليوم في ليبيا ليست وليدة اللحظة، وليست قضية شركة "طوطال" الفرنسية إلا جانب مظلم من شكل المأساة الليبية – الفرنسية". لقد ضغطت فرنسا منذ ثلاث سنوات على ليبيا لتحرير النفط الليبي وألا يبقى في عهدة شركة النفط الليبية، وأن تدخل "طوطال" شريكا رئيسا فيه، وألا يبقى محصورا على شركات بعينها، وهي القصة نفسها التي نجمت بعد تأميم العراق نفطه عام 1970، إذ خلقت له الدول الكبرى أزمات عديدة كانت نتيجتها الاحتلال الأمريكي عام 2003، حيث أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك إبان كان عمدة باريس عام 1975 زار العراق والتقى قيادته وقال كلمة ما زالت محل الاهتمام "إذا استطاع العراق أن يمضي قدما في خططه التنموية دون حروب أو استنزاف خلال السنوات العشر المقبلة سيتحول العراق لدولة مهمة في الشرق الأوسط". وبالفعل لم تمض خمس سنوات حتى فرضت عليه الحرب من قبل إيران، لكن بعد الحرب كان غزوه للكويت، وكان العراق المنهك عسكريا واقتصاديا ونفسيا وأمنيا قد منح أمريكا الفرصة لحصاره ومن ثم احتلاله 2003. لا شك أن التحقيق في ملابسات مقتل الرئيس المدير العام لشركة "طوطال"، سيقود نحو اكتشاف ما ظل غامضا حتى الآن في لعبة السياسة الخارجية الفرنسية على مستوى ما يصطلح عليه ب"الربيع العربي"، خاصة في تونس ولبيا أساسا. هي لعنة القدافي إذن، تعدنا بمزيد من الضحايا وكشف المتآمرين ضد أول وآخر جماهيرية عظمى في العالم أقيمت فوق مساحة كبرى من حقول النفط والغاز.