تحل اليوم 25 نونبر 2014 الذكرى الثالثة لأول انتخابات شهد المغاربة أنها كانت أكثر نزاهة في تاريخ المغرب، والتي أثمرت حكومة يقودها الإسلاميون لأول مرة أيضا في تاريخ المغرب. هذه التجربة لم يكن حتى أكثر المتفائلين يتوقع لها أن تطفئ شمعتها الأولى في بلد حولته "الحكومات العائلية" السابقة إلى حقل للألغام وأحرقت خريطتها. نعم ، إن عمر الدول لا يقاس بعمر الأشخاص وثلاث سنوات في تاريخ دولة أو "تجربة" لا تعني شيئا و لا يمكن الاستناد إليها لإعطاء أي حكم، غير أن هذه الثلاث سنوات بما طبعها تبقى كافية لتقييم عمل حكومة يقودها حزب جاء إلى الحكم في خضم حراك شعبي ودستور جديد منح صلاحيات واسعة لرئاسة الحكومة، التي لا يتحمل عبد الإله بنكيران وحده مسؤولية "موتها" إذا ما سلمنا مع الاتحادية أبو زيد أن "مؤسسة رئاسة الحكومة ميتة". وبغض النظر عن الالتزامات والإخفاقات، وعما إذا كانت هذه المدة كافية لتنقيط الحكومة، فإن تجربة العدالة والتنمية تميزت بتفردها من خلال نجاح بنكيران وإخوانه، حتى الآن، في إدارة البلاد وفق منطق "المغرب أولا" وتعزيز البناء التنظيمي للحزب والإبقاء على شعرة معاوية موصولة بينهم وبين المواطنين، فكراسي المسؤولية الوثيرة لم تلهي وزراء "البيجيدي" عن التواصل المباشر مع المواطنين والإنصات لمعاناتهم ومشاكلهم وتطلعاتهم والاستعداد دائما لتقديم الحساب كما قال الخلفي في كلمته أمام ساكنة مدينة أكادير يوم السبت الماضي بحضور الوزير الرباح "جئنا لنقدم الحساب". ولعل أكبر تعبير على هذا التواصل هو صور الخلفي وهو يتفقد أسر ضحايا فاجعة كلميم و صور الرباح وهو يتفقد أضرار التساقطات المطرية بتيشكا وصور رئيسهما في الحكومة والحزب في لقاء تواصلي مع ساكنة وجدة، التي جاءها من الناظور على سيارة بعدما أجبرته الرياح القوية على الهبوط اضطراريا في مطار العروي بالناظور، في القوت الذي كانت فيه قيادات أخرى من حزب "المصباح" في لقاءات تواصلية مع المواطنين بباقي أقاليم وربوع المملكة. إن هذا الجيل الجديد من المسؤولين الحكوميين الذين كسروا الصور النمطية التي كان المغاربة يحيطونها بالوزراء والمسؤولين، والذين لا يعتمدون في تواصلهم مع المواطنين على أي "كابلات" بل يتحلون بالشجاعة والجرأة للتواجد في أماكن الأزمات بما تقتضيه المسؤولية، في الوقت الذي تفضل شخصيات حزبية و حكومية أخرى متابعة الأزمات عبر هواتفهم الذكية ومن فيلاتهم الفخمة في الرباط و نواحيها، يصلح أن نطلق عليهم "وزراء 3G " . يطيب لبعض شبابنا اليوم ترديد مقولة "في البلدان التي تحترم نفسها تقوم الحكومات بكذا وكذا... ولا تقوم بكذا..."، وهي مقولة صحيحة إلى حد كبير غير أننا ننسى دائما نحن المغاربة أنه في البلدان التي تحترم نفسها الشعوب أيضا "تقوم بكذا وكذا... ولا تقوم بكذا". ولعل فاجعة ضحايا فيضانات السبت والأحد أماطت اللثام عن أمور أخرى. إن المسؤول عن هذه الكوارث ليست المصالح الخارجية، التي لم تتعامل بما يكفي من الحزم والجدية مع النشرات الانذارية، وحدها، ولا حتى السائقين المتهورين الذين أدمنوا المغامرة بأرواحهم وأرواح ركابهم، كما أنه لا يمكن لنا أن نلوم المنتخبين الفاسدين الذين اغتنوا في ظروف غامضة. كلا إن المسؤولية مشتركة بين هؤلاء جميعا وعلى رأسهم المواطنين، الذين ذهبوا قبل 5 سنوات إلى صناديق الاقتراع لانتخاب من يمثلونهم اليوم بعدما أدوا القسم وقبضوا الثمن. وإذا كانت من عبر يجب علينا نحن كمغاربة استخلاصها مما وقع يومي السبت والأحد الأسودين، ليس فقط التعامل بمسؤولية مع التحذيرات والنشرات الانذارية، فإن الدرس الأول الذي ينبغي علينا أن نتعلمه ونحن على أبواب الانتخابات الجماعية هو أن "صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد".. فهل سنقبض ثمن أرواحنا مرة أخرى؟