عرفت الأستاذ عبد الله باها- رحمه الله- أول ما عرفته، من خلال عموده "سبيل الإصلاح" الذي كان يواظب على كتابته في جريدة الإصلاح. ثم عرفته، بعد ذلك، من خلال مجموعة من اللقاءات التي حضرتها وكانت من تأطير السيد عبد الإله بنكيران. وكان، كما قيل وأجمع الناس عليه، حكيما بصمته، قويا بمنطقه، سديدا في رأيه،.. فقد لازمَتْهُ سِيمَاء التعقل، والتريث، من مرحلة الدعوة، التي كنا شهودا عليها، إلى مرحلة الدولة. فلم يغير فيه المنصب السياسي الكثير؛ إذ ظل وفيا لنهجه العاقل والرزين، في تعالقاته الاجتماعية كما في تدبيره السياسي والعمومي. فقد كان نموذجا وحده.. لأنه بكل بساطة كان رجلا مؤمنا وربانيا. ولا أدل على ذلك مما سمعنا من بعض رفاقه أنه لازال يواظب على سؤال إخوانه، كلما التقاهم، عن أحوال الإيمان وعلاقتهم بالله. وهو السؤال الذي لم نكن ننفك نُفشيه بيننا أيام الدعوة و"المأثورات"، ونحن نتربع بين أحضان الحركة الإسلامية في ربيعها الزاهر. لكن-للأسف- ما لبث هذا التذكير أن انقشع عن علاقات "الإخوان" –إلا من رحم الله- بعد أن عرف مرض "التسيس" طريقه إلى اهتماماتهم، فما عاد لهم وقت للسؤال عن أحوالٍ هي من رأسمال المؤمن التي تُفرقه عن سواه !. من علامات حب الله.. لقد اختار الأستاذ عبد الله باها – رحمه الله- العمل في صمت، بعيدا عن الأضواء. كما اختار أن ينأى بنفسه عن الصراعات السياسوية التي انخرط فيها حزبه. وظل يسدد ويقارب، حتى حاز أعظم ما يتمنى أن يحوزه المرء من هذه الفانية.. لقد حاز حب الناس، وتقديرهم، وذكرهم الحسن؛ خصوما، وإخوانا، وعامة. وبعد وفاته، بكاه العالم، وأثنى عليه العالم، وترحم عليه العالم،.. أليس هذا الحب المتدفق، والذكر الجميل، غاية ما يبغيه الناس من هذه الدنيا؟.. فما الذي فقده هذا الرجل مما ناله سواه؟؟ !!. إنها عطايا الله التي لا يعطيها إلا لمن أحبه. فقد جاء في الحديث: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ " (رواه البخاري)؟؟؟ !. إنه الحب الرباني الذي نحسب أنه ناله؛ مما شاهدنا من تعاطف الناس، وترحمهم، وصلاتهم المهيبة خلف جثمانه. فقد قال بعض السلف، ردا على بعض خصومه من المبتدعة، :" موعدنا يوم الجنائز". وإنما قصد حجم من سيصلي على جنازته من الصالحين، لا من سيحضرها. وإلا فقد عرف التاريخ جنازات لطواغيت وفنانين وسياسيين،… شهدها الآلاف، ولم يصل عليها إلا القليل. وإنما العبرة بعدد من يحضر جنازتك من الصالحين والربانيين. ونحن نزعم أن جنازة الأستاذ "باها" قد استوفت هذا الحضور النوعي. رحمه الله تعالى، وخلد في الصالحات ذكره، وألحقنا به غير مبدلين ولا مغيرين. إنه ولي ذلك ومولاه !! مجرد أسئلة على هامش الفاجعة.. لكن في المقابل، أليست مريبة هذه الهالة الإعلامية الرسمية الاستثنائية التي رافقت وفاة السيد عبد الله باها؟ أليس من حقنا أن نتساءل لماذا كل هذا الاهتمام والذكر والإشادة بالرجل في إعلامٍ عوَّدنا أن يحول الراقصات الساقطات، والغواني العاريات، إلى صالحات ووليات وزاهدات ،…بمجرد أن يختطفهن المنون، في الوقت الذي يعرف فيه مغرب اليوم وفيات من الوزن الثقيل، لعلماء ودعاة وصالحين من خيرة أبناء هذا البلد، ثم لا يأتي على ذكرهم إلا عبورا؟ !!! فما الذي يفرق الأستاذ عبد الله بها عن سواه من الدعاة الإسلاميين، والمسؤولين السياسيين الكبار،.. ممن يتوفاهم الله إليه، ثم ينتهي ذكرهم بتلاوة سطور تنعيهم في الإعلام الرسمي؟ !! ألم يسبق السيد "باها" رجالُ دولة مخلصين لدينهم ووطنهم وملكهم، ممن بلغت شهرتهم الآفاق، فاختطفهم المنون. لكنهم لم ينالوا مما ناله، نصفه ولا ربعه،..؟!! ألا يكون لهذا الاهتمام علاقة ب"الأسئلة الملعونة" التي تناسلت عقب هذا الموت التراجيدي، والتي عمقت الشكوك حول هذه الوفاة/"اللغز". فكان تدخل الإعلام الرسمي، بهذا الزخم والقوة، بهدف رد الشكوك، وتطمين المرتابين؟ أم هو مجرد صحوة طارئة انتابت إعلاما رسميا، عودنا على الغياب خلال هكذا حالات، استفزه الوضع الاعتباري للسيد الوزير، فانبرى يشيد ويطري فوق العادة؟ !!! فهذه مجرد أسئلة، قد تكون تافهة، أو مجنونة،…أو وجيهة؛ لا فرق !، انتابت فضولنا، كما انتابت غيرها فضول سوانا. لكن الذي لن يختلف حوله مؤمنان؛ أن القضية، من أولها إلى آخرها، قضاء وقدر.. وأن للأيام، وحدها، في كشف الحقائق، واسع النظر! دمتم على وطن.. !! صالح ايت خزانة