من السهل جدا وصف أي قضية كيفما كان نوعها، وبأي طريقة باقتضاب أو بتفصيل ممل،حسب ما يقتضيه الوضع والمناسبة، التي تفرض نفسها بكل حيثياتها، لكن تفسيرها وتحليلها بشكل موضوعي دقيق هو الأصعب، لا سيما إذا كانت غريبة وعجيبة في آن واحد، ولم تخطر على بال أي أحد. وهذا ما يمكن أن نستحضره عندما وصلنا نبأ تقبيل الميكانيكي؛ الذي يشتغل في إحدى ورشات المطالة حذاء نائب وكيل الملك بمدينة ميدلت، لكن البعض حسب ما تبين لم يجد صعوبة في تفسير ما حدث، خاصة جهات الدفاع عن هذا العامل البسيط ، والتي تتمثل أساسا في قوى المجتمع المدني ومؤسساته كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبعض الأحزاب، التي ساهمت عموما بشكل ملموس في تفجير هذا الخبر، عبر بلاغاتها وبياناتها في مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية؛ فالتحقير أو “الحكرة ” بلغتنا الشعبية والاستبداد وغياب حقوق الإنسان وغيرها،حسب ما ذهب إليه المجتمع المدني المحلي كلها أسباب حقيقية دفعت نائب وكيل الملك إلى سحق كرامة الميكانيكي،ونفي وجوده ، وهذا ما لا يقبله العقل، ولا يقر به أي قانون على وجه الأرض، ولا تنص عليه أحكام أي شريعة، سماوية كانت أو أرضية . وهذا ما يتنافى أيضا حتى مع قانون الحيوان؛ الذي يرفض الاعتداء والبغي عليه، فمنذ أكثر من2950 سنة صرخت نملة صرخة مذعورة، لكي لا تطأ أقدام جنود نبي الله سليمان، وحوافر خيولهم صاحباتها، ولما فهم سليمان قصدها بحكم درايته للغة النمل، قال لها هل سمعت أنني ظالم؟ ألا تعلمين إنني نبي عادل؟ فقالت في توسل أعلم ذلك، فعذرا إنني قلت (وهم لايشعرون)، وبعد ذلك سعد سليمان بكلمات النملة، فارتسمت على شفتيه الابتسامة. هذا هو رد فعل نبي الله سليمان تجاه موقف النملة، الذي بدأ بالصراخ . أما نائب وكيل الملك الذي يفترض فيه أن يكون عادلا، فهو أول من بدأ بالصراخ والسب والشتم، ويا ليته اكتفى بذلك، بل تعدى حدوده التي لم يراعيها، ولم يبقى له سوى الأمر بتقبيل حذاءه الناصع ، وهذا ما فعله وكأن هذا الصنف من التقبيل هو الجزاء الملائم لكل من لم يلتزم بأوامره من المواطنين. فعلا إن هذه الحادثة بدون شك تذكرنا بسنوات الرصاص الأليمة والمغضوب عليها؛ التي كنا نعتقد أن المغرب طوى صفحاتها مع فكرة الإنصاف والمصالحة وهيئته، إلا أن واقعنا الحالي ما زال مرا ولغزا يصعب تفكيكه، بحكم تكرار مثل هذا المشهد غير المرغوب فيه، والذي اهتزت بسببه كل قبائل ميدلت القريبة والبعيدة، فأعدت كل واحدة منها ما لها من قوة، بعدما علموا أن الكلمة الواحدة لن تخذلهم أمام هذا الوضع الذي لا يقبل التشتت،لأنهم في مواجهة المخزن مالك السلطة، وما أدراك ما المخزن. وبعد أن تحقق الصمود المفروش بالصراخ والعويل علم نائب وكيل الملك أن المواجهة ستكون صعبة، خاصة عندما بدأت القنوات الأجنبية تتقاطر على أرض ميدلت، عكس قنواتنا؛ التي لم تشعل أضواءها إلا بعد الإذن بنقل الخبر في دقائق محدودة جدا من طرف الجهات المتحكمة. وهذا ما يجعلنا نرجع إلى الوراء من جديد لنطرح السؤال الآتي: كيف يمكن أن نخطو ولو خطوة واحدة إلى الأمام، لبناء مغرب الغد الذي نطمح إليه، ونسعى إلى تشييد معالمه في كل مرحلة تاريخية ونحن مازلنا مشغولين بتقبيل الأيادي عفوا تقبيل الأحذية كما شاء أن يكرسه نائب وكيل الملك؟ انطلاقا من الحقائق السالفة الذكر، يتضح أن نائب وكيل الملك لم يستفد من دروس الربيع الديمقراطي أي شيء، ولم يتنسم بنسيم ثورة الياسمين العظمى، التي انطلقت شرارتها من القيروان، ولم يستوعب رد فعل زعيم ثورات الربيع الديمقراطي البوعزيزي؛ الذي أعلن عن نهاية الاستبداد المسلط عليه وبزوغ فجر الحرية، بسقوط أعتى النظم الاستبدادية . ولا خلاف أن هذا الفعل الهمجي والدوني؛ الذي أصدره نائب وكيل الملك هو ما يجعلنا نقف حائرين أمام مستقبل حقوق الإنسان والديمقراطية في بلادنا،الذي تنتهك فيه أعراض الناس.وهذا مؤشر حقيقي من مؤشرات التخلف؛ الذي مازال صديقا محبوبا لعقليات تحن إلى لقائه في زمن الذلقراطية على حد تعبير المهدي المنجرة. ورغم ما قيل و ما كتب عن هذه الحادثة،ومشاهدها الحقيقية التي تعد من إبداع رمز من رموز السلطة، والذي كنا نرجو فيه حسب مقامه السامي أن يكون المدافع الأول لكل ما يمس بكرامة الإنسان داخليا وخارجيا، ومهما كانت النتائج التي ستحصدها التظاهرات والاحتجاجات التي قام بها السكان والفعاليات الحقوقية فإن تاريخ مدينة ميدلت للأسف الشديد سيجعل الحذاء أو السباط عنوانا لصفحة من صفحاته المرتبطة بالتاريخ السوداوي، مادام الأمر ثابتا ومشهودا عليه، دون غياب شخصياته الحقيقية؛ التي دخلت عالم الشهرة في ظرف وجيز، دون تخطيط أو جهد لازم ، وجرت وراءها ملفا قضائيا لم يكن في الحسبان، إن لم يقذف به في سلة المهملات،بدء بسلة وزير الحكومة الإسلامية في ظل سمفونية الدستور الجديد، الذي مازلنا نبحث عن روحه المتبخر قبل وجوده على أرض الواقع المغربي، المزين بلافتات تغر الناظرين البسطاء بشعارات براقة،فتسافر بهم إلى عالم مليء بالأحلام، فتجعلهم يعيشون فسحة،يكون أول لقائها الحقيقي تقبيل الحذاء اليمنى تلو اليسرى لنائب وكيل الملك. إنها واقعة وليست حلما حتى لا نجانب الصواب، و لا نتيه لكي نضيفها إلى تاريخ الحذاء السياسي،الذي يحتاج إلى أحداثها لكي تدون،حتى لا تنسى في ذاكرة الأجيال المقبلة،التي نتمنى أن تأخذ العبرة منها. ومهما يكن من أمر فللحذاء مشاهد و قصص على المستوى السياسي، تأخذنا إلى معرفة مواقف وآراء شتى. فهو يشير تارة إلى القوة، و تارة أخرى إلى الهوان و الضعف. فهو رمز للقوة إذا جلب مصلحة أو رد كرامة الخاصة أو العامة من الأفراد، ومثال ذلك أن الصحفي العراقي منتصر الزايدي رمى حذاءه على الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، أثناء انعقاده لمؤتمر صحفي في العراق، تعبيرا عن رفضه ومهاجمته للسياسة الأمريكية في العراق،و قد تم اعتقاله بعدما كسرت ذراعيه ، وتكريما لهذا الصحفي تم نصب عملاق لحذاء بمدينة تكريت العراقية. ومن هنا أصبح قذف الأحذية وسيلة للاحتجاج على السياسة الأمريكية منذ الحادثة السالفة الذكر . وعكس ما سبق يمكن أن يكون الحذاء السياسي رمزا للضعف إذا رمي أو ضرب به، لأن ذلك يعد إهانة واحتقارا،وقد شهد تاريخ البرلمان التراشق بالأحذية ، تعبيرا عن مواقف سياسية متباينة، أما إذا أمر بتقبيله كما حدث بميدلت فهذا إعلان عن نهاية عالم الكرامة الإنسانية وبداية عالم آخر لا نجد له تسمية إلا بعد تصريح نائب وكيل الملك بالتسمية الجديدة،الغائبة في حياتنا الإنسانية. لذلك ستبقى هذه الواقعة حدثا تاريخيا مأساويا ومرفوضا، وبالتالي لا يمكن السكوت عنها،مادامت تنفي الوجود الإنساني عموما. ولا يخفى على كل مغربي عارف ببلده حق المعرفة أن ما حدث بميدلت هو إنذار حقيقي لكل من يستغل السلطة ومواقعها،أو يرمي إلى خلق حياة الاستعباد والاحتقار، في زمن ظن الناس أن لا ترجع فيه هذه الحياة أبدا، حتى لا تقع الفتنة والفرقة،وتكسر أجنحة الديمقراطية؛ التي حلمنا بسيادتها في كل أرجاء بلدنا الشاسع .وحتى لا يظن حادثي العهد في الدين الإسلامي، على المستوى العالمي، أن عالم الجاهلية ولى في مدينة ميدلت المغربية، فيقصدونها لتحقيق فتح جديد، ومن ثم إعلاء كلمة الحق في وجه نائب وكيل الملك وعتق الميكانيكي، كي يسترد كرامته المفقودة، فينالوا الأجر بذلك،فلم لا نسبقهم فننال أجر الأسبقية، فيلتحقوا بنا دون حرمانهم،أليس السابقون هم الفائزون، فلم نتردد ونحن الأقرب إليهم فهم جيراننا، حتى يظهر الحق من الباطل، فمن أجل هذا خلق الإنسان المكرم، فمتى نقر بهذه الحقيقة التي رفضها هو بنفسه ولم هذا الحمق؟!!!! ..