من أهم العوامل المؤثرة حاليا والتي أنتجت عدة ظواهر على رأسها العنف المتزايد في في المجتمع المغربي هو «إعادة هيكلة المدينة». السوسيولوجي ادريس بنسعيد أثار هذا العامل بمناسبة الحوار الذي أجرته معه «الأحداث المغربية» والصادر في عدد أمس حول ظاهرة التشرميل، وربط ذلك بارتفاع نسبة التمدن ببلادنا، أي غلبة سكان المناطق الحضرية عدديا على سكان العالم القروي. وفي الواقع فإن ارتفاع نسبة التمدن هي التي فرضت مسألة إعادة هيكلة المدينة، أي محاولة القضاء على البناء الصفيحي والعشوائي الذي تنامى بفعل الهجرة القروية إلى وسط المدينة، من خلال انفتاح هذه الأخيرة على الضواحي وبالتالي إعادة إسكان سكان الصفيح في مناطق محسوبة على المدينة لكنها واقعيا توجد في مناطق كانت في السابق تنتمي إلى العالم القروي. الكثير من الأخطاء راكمتها هذه العمليات ومازالت مستمرة في تسجيل أخطاء قاتلة بسبب الفقر المعرفي والعلمي الذي يعاني منه المسؤولون الذين انخرطوا في هذه الهيكلة. لقد كان الهاجس الأساسي لهذه العملية منقسم إلى سياسي واقتصادي، الأول يهدف إلى إعادة توزيع هذه الساكنة على دوائر انتخابية جديدة في أفق خطة لإعادة التوازن إلى الحسابات السياسية بالمدينة، والثاني يستهدف الاستفادة من الوعاء العقاري الذي ستخلفه التجمعات الصفيحية المجثثة والتي أعيدت زراعتها على شكل علب إسمنتية في الضواحي. من الناحية الجمالية ستقضي هذه العملية على البشاعة المزروعة وسط المدينة، لكنها عملية غبية من الناحية الاجتماعية والأمنية والاستراتيجية، فعملية استنبات هؤلاء المواطنين في مناطق أخرى لم يواكبها التوجيه الضروري والمرافق الاجتماعية والتواصل اللازم في مثل هذه العمليات، وذلك عكس الشعار الذي ترفعه الدولة كل حين المسمى «استراتيجية التنمية الشاملة والمندمجة»! إحساس هذه الساكنة بالظلم ونقلها لعاداتها وسلوكاتها الاجتماعية من المنطقة التي كانت تعيش فيها إلى مناطق أخرى وأيضا ابتعادها عن مراكز العمل، وغياب وسائل النقل والمرافق الضرورية، وتعرض فئة منها للبطالة، ساهم في التوتر الذي أنتج عنفا متزايدا. مثل هذه العمليات السوسيو اقتصادية تتطلب تخطيطا على المدى البعيد، في الدول الديموقراطية التي كانت تعاني من مثل هذه الظاهرة، يتم إشراك سوسيولوجيين وبسيكولوجيين ومتخصصين في التنمية الاجتماعية في تصميم هذه التجمعات السكنية الجديدة التي تسبقها دراسات متعددة. غياب مثل هذه الهواجس عن مسؤولينا هو الذي يؤدي في النهاية إلى إنتاج كائنات بشعة وهجينة تنتج بدورها الفوضى التي تعيشها المدينة.