كاد الأسبوع الذي ودعناه يكون جافا سياسيا، غرفتي البرلمان أغلقت أبوابها وتفرغ البرلمانيون لعطلتهم، حتى وإن كانوا قد أصروا على أن يخلفوا وراءهم بعض الضجيج بعدما تشبتوا بالعطلة ولما قيل إن رئيس لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب أغلق هاتفه في وجه الجميع تاركا وزير العدل والحريات فيما يشبة سعيا بين الصفا والمروى بحثا عمن يناقش معه مشاريع قوانين إصلاح القضاء، أما حكايات شباط مع ابن كيران واتهاماته له بالارتباط ب«داعش» فما عادت تغري أحدا. وحتى الجدل بين منظمة العفو الدولية والسلطات المغربية صار من قبيل الروتين الذي يتكرر كل سنة .. فجأة ومن دون مقدمات، تشتعل الأجواء في ساحة السياسة، وفي قصة أغرب من الخيال، ينفرط عقد الإنسجام الحكومي الذي ظل السيد عبد الإله ابن كيران يتغنى به منذ غادر الاستقلاليون سفينة التحالف مع العدالة والتنمية. مزوار الذي تبادل وابن كيران من السباب والإتهامات ما كان يجعلهما خطان متوازيان غير قابلان للإلتقاء، يعيشان منذ أزيد من سنة «شهر عسل» قل نظيره، وفي الحصيلة، لم يعد «المشوشون» يجدون في موائد التنافر الحكومي ما يسمن جوع «حربهم غير المقدسة» على حكومة «تريد الإصلاح» لكنها تواجه «العفاريت والتماسيح».. بدأت الحكاية ليلة الإثنين الماضي، مسؤول رفيع في الحكومة يستدعي أربعة صحفيين من كبريات الصحف الوطنية، وبينها «الأحداث المغربية»، إلى بيته في العاصمة الرباط ليمدهم بمعطيات صحفية ساخنة إن لم نقل إنها قنابل ستنفجر في وجه النقابات والقاطنين تحت عتبة الفقر، المسؤول الحكومي الرفيع، لم يعتبر ما يروج في اللقاء معطيات غير قابلة للنشر أو ما نسميه في المهنة معطيات في ال«off»، فقد اشترط على ضيوفه عدم الكشف عن هويته، والإكتفاء بصيغة «قال مصدر حكومي».. الصحفيون اعتبروا أنفسهم في ضيافة رجل مسؤول، لا يمكن أن يطلق الكلام على عواهنه، في الصباح تسابقوا إلى هيئات تحريرهم وفي حوزتهم سبق صحفي مشترك بين الرباعي الذي حضر اللقاء، ويوم الأربعاء، صدرت العناوين ببنط عريض في الصفحات الأولى «مصدر حكومي: الحكومة تسير نحو رفع الدعم نهائيا عن السكر والدقيق وغاز البوتان هذه السنة»، وفي نفس اليوم، كان على الوزراء الذين هم على صلة بالملف، أن يتلقوا سيلا من الإتصالات الهاتفية بحثا عن تأكيد الخبر. في واحدة من ردود الوزراء على تسريبات رفع الدعم عن مواد استهلاكية حساسة، يأتي تحدي الصحف الأربعة من وزير الإقتصاد والمالية محمد بوسعيد، لم يصدر الرجل في حينه بيانا صحفيا رسميا تعممه وكالة الأنباء الرسمية كما تجري بذلك العادة، كما لم يبعث بيانات تكذيب إلى الصحف الأربع التي كانت سباقة إلى نشر الخبر، اختار بوسعيد الرد على استفسارات بعض الصحف التي لم تحضر اللقاء، ليؤكد لها يوم الأربعاء أن «ليس هناك أي قرار، وما نشر غير صحيح على الإطلاق» ما استغرب الوزير لاعتماد وسائل الإعلام على «مصدر حكومي» في خبرها المتعلق برفع الدعم وقال «من هو هذا المصدر ، ليس هناك أي قرار، وبالتالي عليهم الكشف عن هذا المصدر». بعد تكذيب وزير الاقتصاد والمالية للصحف الأربع، يأتي دور زميله المنتدب في الميزانية الذي صار النائب المفضل عن الناطق الرسمي باسم الحكومة في ندواته الأسبوعية التي تعقب المجالس الحكومي، إدريس الأزمي قال للصحفيين إن رئيس الحكومة، عبد الإله ابن كيران، خلال ترؤسه الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة، قال إن "ما تتداوله الصحافة من أخبار بطريقة موحدة ومعممة بخصوص رفع الدعم عن قنينة الغاز والسكر والدقيق لا يعدو أن يكون حملة إشاعات مغرضة". لكن يبدو أن عبارة «حملة إشاعات مغرضة» لم تشفي غليل ابن كيران، لذلك عاد في تصريح آخر للقناة الثانية بثته في نشرتها المسائية لأول أمس الجمعة ليقول إنها «حملة وإشاعات يقف وراءها المشوشون»!!. لا سيد ابن كيران، في هذه بالضبط، لن يفيدك الإختباء خلف «المشوشين»، وليس مسموحا لك بنعت الصحف في هذه الواقعة بالذات، بأنها تنشر «الإشاعات المغرضة»، وفي هذه بالضبط- مرة أخرى- عليك أن تبحث عن «المشوشين» و «أصحاب الإشاعات المغرضة» وسط حكومتك لاخارجها، وكي نطمئن وزيرك في الإقتصاد والمالية بأننا في «الأحداث المغربية»، لانعتمد على مصادر غير مسؤولة في نشر أخبار حساسة، وكي نجيبه عن التحدي الذي رفعه بالكشف عن إسم الوزير الذي سرب أخبار الدعم، نخبره أن هوية الوزير متوفرة لدينا باسمه ولحمه وشحمه وصفاته، لكن أخلاقيات عدم الكشف عن الهوية التي تم الالتزام بها معه تمنعنا في الجريدة من تحقيق رغبته في معرفة هوية زميله في الحكومة. وفي ختام هذه السوريالية الحكومية الجديدة، نحيطكم سيد ابن كيران، مع كل الاحترام والتقدير الواجبين لكم كرئيس لحكومة بلدنا المغرب، أننا لانقبل في الصحافة، وخصوصا في «الأحداث المغربية» أن نكون «داك الحيط القصير» الذي تقفزون عليه متى تشاؤون ، وحتى حين تكونون مخطئين. وبهذا «انتهى الكلام» كما تقول لازمتكم المفضلة.