المؤمن مصاب. يصاب المؤمن. يأتيه المرض من حيث لا يدري. يتطرف في ما يسيء إليه. يسقط أخيرا. ينقل إلى المصحة في حالة غياب عن الوجود. ينتبه ويسأل أين يوجد. يوجد في قسم الإنعاش. ينعزل عن العالم في ذلك القسم. يبقى أمامه الله والأمل في الشفاء. الحمد لله على المصاب. الفراغ والتيه في الفراغ. استرجاع شريط الحياة لا يملأ الفراغ. الجسد مقيد بأجهزة ضبط الضغط والتنفس الاصطناعي. الأوكسيجين على الرغم من النفس، وكيس المحلول معلق. أعيد اكتشاف الحق سبحانه في هذه اللحظات غير القابلة للوصف والالتقاط في كلمات اللغة وما تجود به. وضع استثنائي متطرف في استثنائيته. عبارة وحيدة على طرف اللسان في السر والعلن. الحمد لله. الحمد لله أن المصاب وقف عند هذا الحد. الحمد لله مرة أخرى. الحمد لله دائما. محمود ممرض شاب لا يغفل عني. دائما يسأل عن أحوالي. فرصة يتيمة للنطق بعبارة "الحمد لله". يغادر المكان وتظل العبارة عالقة باللسان كأنني أملأ بها الفراغ. أعزي النفس بها. أكررها في دواخل النفس. عزائي الوحيد. قاربي إلى النجاة والمغادرة في اتجاه الحياة بإيقاع مغاير، هذه المرة. لن تتكرر الأخطاء. الحمد لله على الدرس. أنا والممرضين والممرضات في قسم الإنعاش. كأنه عالم تحت أرضي. لا صلة لي بالعالم العلوي الذي يأتي منه أفراد العائلة والأصدقاء. صلة الوصل الوحيدة. اطمئنان في رمشة عين. الجواب المتاح والوحيد "الحمد لله". الحمد لله عبارة لا تفارق اللسان في الزيارات الاطمئنانية السريعة. تؤثث الحديث المقتضب. تنتهي فترة الزيارات. أعود إلى العزلة. أعود إلى التيه في الفراغ واستعادة شريط الحياة والأخطاء القاتلة التي قادتني إلى قسم الإنعاش وبعده إلى العناية المركزة. وفي الأخير. الحمد لله على ما أصابني. لولا المصاب لما انتبهت إلى أخطائي. لولا المرض الطارئ لما أعدت اكتشاف الله وإنقاذه لعبده الضعيف من مصابه وتلك الأشياء الأخرى التي تفسد عليه حياته العادية. أشياء لا أفهمها. سيطرت علي قبل نقلي إلى قسم الإنعاش. كنت أشعر بها. اضطراب وعدم تركيز. فقدان لشهية الأكل بالكامل. الجوع رفيقي الذي لا يضايقني. مرت والحمد لله. في قسم العناية المركزة، تخلصت من الأجهزة تقريبا. بدأت أغادر السرير وأتمشى في الرواق. الحمد لله على هذا الإنجاز العظيم. يسألني الممرض عن أحوالي وما أشعر به. العبارة الوحيدة "الحمد لله". تأملت العبارة. أحمد الله. النجاة قريبة. يمر الطبيب. يطالع فحوصات الدم والسكانير. يسألني. الحمد لله. يطمئنني على حالتي. الحمد لله. اكتشفت العبارة وأعدت اكتشافها. أحمد الله على ما أصابني به ونبهني من غفلتي، وجعلني أراجع شريط حياتي لأقف بالملموس على مغباتي. أصابني ما أصابني في مقتل لولا ألطاف الحق سبحانه وتعالى لكنت في خبر كان. الحمد لله، شملني بأسمائه الودودة. أحمده على نزول لطفه وشملي به وأنا في قسم الإنعاش، وبعده قسم العناية المركزة وما أتى بعد ذلك. الحمد لله، والشفاء إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى. "إنشاء الله" العبارة الأخرى. دائما تنتظر على طرف اللسان كلما طلب الزائر الشفاء. في المصحة وأنا طريح الفراش ومقيد إلى الأجهزة بين الحياة والموت، لحظة غير قابلة للوصف. لحظة، أعدت فيها اكتشاف قدرة الله الخارقة على تدبير شؤون عباده. الحمد لله على ما أصابني وجعلني ألجأ إلى الحق سبحانه وتعالى لأحمده وأشكره على ما يأتي من لدنه وفيه الشفاء من أمراض أخرى غير ظاهرة تصيب الذات في غفلة منها. أحمده وأشكره.
بقلم: جمال زايد شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * شارك على فيس بوك (فتح في نافذة جديدة) * اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)