شربت الفن من ينابيع خلوة الوالد الصوفية، صاحب الفضل في إشراقات مضيئة في ميدان المديح والسماع. متحت من إحساسه المرهف الصوفي. ترعرعت وسط عائلة نجحت بشكل كبير في خلق جو تناغمي وتعايشي مع اليهود المغاربة الذين كانوا يتواجدون بحي الملاح، قرب المسجد الكبير بمدينة سطات، نتج عنه تلاقح ثقافي، مبني على احترام قواعد الجورة والتعاون والتسامح. خصائل صار على دربها الاولاد والاحفاد، فكانت النتيجة توطد الثقافة والعادات والتقاليد. التشكيل بالنسبة لها هو الحياة والهواء، عشقت أرض الشاوية وتذوقت تربتها ولامست ألوانها حتى النخاع. حاولت جاهدة مد جسور التواصل بين الفن التشكيلي النخبوي والصباغة التقليدية الشعبية من خلال رئاستها للمهرجان الدولي بصمات، وتمكنت من إشراك جميع الفئات ضمن فقراته وحولت مدينة سطات الى عاصمة دولية للفن التشكيلي، عبر معارض احترافية وورشات وندوات وسهرات أشرفت عليها فعاليات وطنية وعالمية.
إنها الفنانة التشكيلية ربيعة الشاهد التي فتحت قلبها لجريدة الأحداث المغربية من خلال هذا الحوار الشيق.
كيف اخترت الفن التشكيلي؟ التشكيل بالنسبة لي هو الهواء الذي استنشقه، يلازمني في كل مكان وزمان، أعيشه في طريقة تفكيري، بالنسبة لي، كل ما يحيط بي هو عبارة عن محطات وصور وألوان ،أمزجها في خيالي منذ صغري. لم أكن أبلغ من العمر وقتها الخمس سنوات، كنت أخطط بالفحم على جدران الحي العتيق بسطات وأرسم وجوها وشخوصا وأشجارا وورودا. مازلت أتذكر وأنا طفلة صغيرة، كنت دائمة الإلتصاق بجدتي، أشاهدها وهي تصبغ خيوط الصوف بعد ان تصففها على إيقاع "القرشال"، وهي تغني بصوت ممزوج بالحزن والحنين، تتذكر فيه أفراد العائلة والأهل، الأحياء منهم والأموات. وكنت أتحين الفرص لأغمس يدي داخل إيناء الصباغة وأنتشي به فرحا وغبطة. أسرق مسحوق الصباغة و أخلطه فوق أوراق بيضاء وفوق الزليج. ربما التشكيل هو الذي اختارني. ماذا يعني لك الفن التشكيلي؟ هو كياني وحياتي، أجد فيه نفسي، بواسطته استطعت أن أتصالح مع ذاتي، وتمكنت من التعبير عن سمو الفكر ورقي السلوك.يعتبر مرآة الشعوب ورافد مهم جدا للتنمية.ينبذ التعصب، التطرف والأحقاد. الفن التشكيلي منحني فرصة دخول عوالم سحرية، وأعطاني تأشيرة السفر من أجل المشاركة داخل وخارج المغرب. كانت البداية في الثمانينات، شاركت الفنانين التشكيليين في معارض جماعية، أبرزها باب الرواح، محمد الفاسي وغيرهما. كما شاركت في فرنسا، كندا في النحت على الجليد، أمريكا، الجزائر، تونس، بلجيكا، قطر، إيطاليا وغيرها من البلدان التي مثلت بلادي من خلالها. الفن التشكيلي أهداني فرصة سانحة لرفع العلم المغربي بكندا، من خلال مشاركتي رفقة فنانين اخرين. مهرجان نبرات هو مؤسسة قائمة الذات، الهدف منه تجميع شتات الفنانين، وخلق أرضية للتلاقح وتبادل التجارب. وهو أيضا مناسبة لتقريب الفن التشكيلي للمواطنين، عبر معارض متنوعة، تضم لوحات تخص فنانين مرموقين. مهرجان بصمات استقبل العديد من الفنانين المغاربة والأجانب. كما خصص المنظمون ورشات تكوينية لفائدة الشباب والصغار، أشرف عليها فنانون معروفون، تبنوا مجموعة من الشابات والشباب، طيلة أيام المهرجان، من خلال مجموعة من المحترفات، قبل أن يتم عرض منجزاتهم إلى جانب أعمال الفنانين الكبار. ويفتخر هذا المهرجان بحضور فنانين تركوا بصماتهم بمدينة سطات، أمثال بن يسف، بلكاهية،المليحي،الملاخ،نبيلي،الوزاني،طلال،فلكي،الحريري،مليكة اكزناي، الشعيبية،أمين،الراجي،باخو وغيرهم. استمرار مهرجان بصمات الى الان، يرجع بالأساس إلى مصداقية أعضائه وإيمانهم بأهمية العمل الجمعوي والمثابرة وعدم الإستسلام أمام المعيقات التي تقابلنا والإشتغال بكل جدية وصدق، بالإضافة إلى التحدي والصبر. نستعد الان الى تنظيم الدورة الرابعة عشر، التي نطمح أن تكون أكثر تميزا من سابقاتها، حيث ستعرف مشاركة أزيد من 18 دولة، رغم الإكراهات التي تعترضنا، أهمها ضعف البنية التحتية، مثل قاعات العروض، وإقامات الفنانين. هل يشكل غياب قاعات العروض عائقا؟ أهم عائق يعترض العملية الإبداعية، هو غياب قاعات العروض، الذي يشكل كابوسا بالنسبة للفنان. فالمعرض يمثل أرضية خصبة له للإلتقاء بالنقاد والموجه، والإلتصاق بالجمهور. فالمفروض في نظري، أن يقوم المسؤولون بحل هذا المشكل، للإرتقاء على هذا الفن. وذلك من خلال تشييد قاعات للعروض بمواصفات ومقاييس عالمية، لضمان تلاقي الفنانين بالجمهور المتعطش لمشاهد التجارب الفنية، من داخل وخارج المغرب. مشاريعك المستقبلية أستعد الأن للمشاركة في العديد من المعارض الوطنية والدولية، رفقة بعض الفنانين المغاربة. مع تسطير برامج مكثفة وافتتاح محترفات في وجه الشباب والفنانين. وطموحي دائم لبناء إقامات فنية للفنانين المغاربة والأجانب. بالإضافة الى خلق جسر تواصلي مع بعض الدول الصديقة، التي تتم إستضافتها وتكريمها بمهرجان بصمات الشاوية للفن التشكيلي، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله.
وأود من خلال منبرك الإعلامي الجاد، أن أشكر كل من ساهم من قريب، أو من بعيد في مد يد المساعدة لإنجاح كل أنشطتنا، وخاصة المهرجان الدولي بصمات.