عندما يعرفون الفرق بين العالِم والكاهن، سيستعيدون عقولهم". كانت هذه آخر تدوينة للشاب اليمني عمر باطويل على صفحته في "الفايسبوك". خرج من المنزل لشراء بعض الحاجيّات، لكنه لم يعد. قلقت عائلته عليه. اتصلوا به على هاتفه الخلوي، فلم يجبهم هو، إنما شخص آخر: ابنكم جثّة مرميّة على الأرض في منطقة خط التسعين – المنصورة. حادثة اغتيال هذا المدون الشاب شغلت الكثير من شباب العالم العربي على مواقع التواصل حيث كان يدون انتقاداته الموجهة للتيار المتشدد مما عرضه لاغتيال بتهمة الردة, وفي خطوة للتضامن مع أسرة الشهيد كما يصفه المقربون و المتعاطفون انطلقت دعوات لوضع صوره مبتسما على بروفايلات الصفحات الشخصية بدل صور جثته الغارقة في الدم التي حاول بعض المتشددين تداولها كنوع من التهديد لمن تسول له نفسه انتقاد التيار المتشدد أو الدعوة الى تحرير الدين من قبضة المتشددين. المفكر المغربي سعيد ناشيد كان من بين الناعين للمدون الشاب بكلمة مؤثرة على صفحته الشخصية, عنونها بعبارة بلغوا عزائي لعائلة الفتى المغدور عمر باطويل.. وقد جاء فيها الآن، وفقط الآن، أستطيع التحديق في جسد هذا الفتى المضرج بالدماء، الآن وفقط الآن أستطيع التحديق في هذا الوجه الممزق بالرصاص. هذا الفتى لا أريد أن أنساه، ولا أريد أن أنسى آخر الكلمات التي دونها على حائطه الفايسبوكي : "إذا رأيت المساجد تبث الحقد والكراهية والعنصرية في نفوس البشر باسم الدين فاعلم أنها ليست دور لعبادة الرب، وإنما دور لعبادة الكهنة".. قبل أسبوع عن اغتياله في محافظة عدنجنوب اليمن، كان هذا الفتى اليمني قد طلب مني صداقة على الفايسبوك. ترددتُ كما هي العادة لا سيما وأن الأمر يتعلق بشاب في مقتبل العمر ( 18 سنة فقط)، لكني وجدته يقدم نفسه بعبارة بليغة ومقتضبة : شاب يرفض ثقافة القطيع. قلت في نفسي هذا الولد يرجى منه خير كثير. وجدته يشبهني حتى في بعض الحساسية الثيولوجية. في إحدى المرات كتب مناجاة إلهية يقول فيها : "الله" اسمح لي اليوم بالحديث عنك.. فأنت الذي لا أقسم إلا بك لم أكن أعرفك حق المعرفة.. كنت خائفاً منك.. فأولئك الذين ينتسبون إليك زوراً قد أرعبوني من قربك.. صحيح أنني كنت أصلّي لك.. لكن ليس حباً فيك بل خوفاً منك!! سامحني.. لم أعرفك إلا منذ سنوات قليلة.. أحببتك جداً.. شعرتُ بالأنس بقربك… أتذكر ذلك اليوم الذي أخبرتك فيه عن سري الصغير.. وبعد ذلك ضحكتُ طويلاً.. هههه هههه ما أجملها من لحظة.. لكن يا رب لماذا يريدون أن نحبك بالغصب والقهر!! وأن نجلد أنفسنا رغبةً بماعندك!!.. سأحيا كريما بك.. ومستمتعاً بالجنة التي خلقتها لي في الدنيا.. فقد سخرّت الكون لي لأحيا كريما.. شاكرا.. عارفا.. يا رب سأحبك إلى الأبد وحتى بعد الممات، فلم أعد خائفاً بل مشتاق إلى لقائك.. وإلى ذلك اليوم تقبل خالص محبتي ومودتي يا خالقي". حين يكتب شاب يافع في مقتبل العمر رسالة إلى خالقه بهذا الأسلوب الناعم والعميق، فهذا دليل على قرب الرجاء الذي جميعنا نرجوه. أي نعم، إن تغيير نظرتنا إلى الخالق مدخل من مداخل الإصلاح الديني المرتقب. هذا هو مضمون الرسالة. أما الآن، نم قرير العين أيها الفتى المغدور فإن الرسالة قد وصلت.