رغم أن محمد خان أخرج فيلم "أيام السادات" بشكل جيد، الا أن هذه "الأيام" في فيلمه "زوجة رجل مهم"، كانت أصدق، في كلا الفيلمين يلعب النجمان أحمد زكي و ميرفت أمين دور البطولة، لكن في "زوجة رجل مهم"، لم يكونا "على قلب رجل واحد"، عكس شخصياتهما في "أيام السادات" تماما، فميرفت أمين كانت رومانسية و عاطفية و حالمة و عاشقة، فيما أحمد زكي كان قاسيا متسلطا خشنا جشعا. في فيلم "زوجة رجل مهم"، تظهر التناقضات بين الفترة "الحالمة" و "الساذجة" لعبد الناصر، (في) الفترة "الواقعية" و "الانتهازية" للسادات، انك لا تستطيع أن تمنع نفسك من المقارنة بين حكمين، بين حالتين، الحالة الأولى "تمثلها" ميرفت أمين في دور "منى"، حيث الحضور الرمزي لعبد الحليم، تعبيرا عن تعلقها بالماضي "البريئ"، و أملها في أن تعيش حالة حب حقيقية مع هشام "الطيب" كما تتصوره، و الحالة الثانية التي "يمثلها" أحمد زكي ببراعة وابداع استثنائي في دور "هشام"، الضابط الطموح/الانتهازي، المتسلط و صاحب الشخصية التي لا تجد "حريتها" الا في القمع.. "هشام" كان مجرد ضابط صغير في قرية صغيرة، و "تدرج" الى أن تمت ترقيته و اعطائه رتبة عقيد في جهاز مباحث أمن الدولة بمديرية أمن القاهرة. "هشام" جعله نفوذه و سطوته انسانا غير سوي، الشطط في استعمال سلطته أمر يعتبره من صميم عمله، البرانويا الدائمة، و حالة الشك المزمنة في كل شئ، و نظرية المؤامرة ضرورية لتبرير تصرفاته غير القانونية بمبرر "احنا بنحمي البلد".. "هشام" زوج يبدو أمام زوجته "منى"، شخصا واثقا من نفسه، متطلعا محترما وصاحب كبرياء، لكنه أمام رئيسه يبدوا شخصا ذليلا منافقا يظهر عكس ما يخفي من احتقار لمديره، و مع مرور أحداث الفيلم، يتبين ل"منى"، بما لا يدع مجالا للشك، أن زوجها انسان فاسد ومريض بداء النرجسية لدرجة أنه يقسم العالم الى قسمين، هو و الباقي.. نموذج "منى" يتكسر أمام أعينها، ليس فقط ذلك الذي بنته في خيالها لزوج المستقبل، و لكن أيضا نموذجها السياسي و الاقتصادي الذي سيكون محل استهزاء وهجوم من طرف ضيوف زوجها بمناسبة حفل العام الجديد، حفل حضره ضباط ممن يفوقون زوجها في الرتبة، وكبار الساسة.. وسط ابتسامات صفراء، و تبادل مجاملات كاذبة، سيكون "هشام" مدفوعا بحسه الانتهازي الى أن يوافق "كبراءه" كل ما يقولونه، و هم ينتقدون بناء ناصر للسد العالي، ويمدحون في المقابل سياسات السادات متمثلة في مشروع الخصخصة و الانفتاح مع اتهامهم للعمال بالتكاسل، لكن "منى" ستقف على النقيض من موقف زوجها، مدفوعة بقيم الوفاء و الصدق، مدافعة بشراسة عن مشروع السد العالي، و مبررها أنه أنقذ مصر من الجفاف والفيضان.. بعد الحفل، يقوم "هشام" وقد أعماه "طموحه" و غلب عليه تسلطه، بتعنيف زوجته "منى" بقوة، بدعوى انسحابها وتركها ل "صفوة المجتمع". محمد خان يقدم تناقض الزوجين في الحقيقة كانعكاس لتناقض مشروعين، و تصورين للعالم، وقد أبدع في تصوير وجهة نظر "هشام"، في اللقطة التي يقدم فيها هذا الأخير إفطارا لزوجته الحامل في فراشها، مخاطبا ولده، وهو مازال في بطن أمه، ويناديه "حضرة الضابط أشرف".. فتسأله "منى" متعجبة: "حالاً وظفّته وسمّيته؟"، فيجيبها: "ضروري أطلّعه ضابط.. الضباط هما اللي بيحكموا العالم، إمبارح والنهاردة وبكرة".. ورغم أن الضابط "هشام" سيتم تقديمه ككبش فداء، و سيخرج من عوالم رجال الأمن، ليبدأ رحلة الصحراء، و مراحل "تحلل" جثة السلطة فيه، الا أن ما قاله يبقى قائما ولم يتبت عكسه حتى بعد رحيله.. لقد قدم محمد خان واحدا من أهم الأفلام في كل تاريخ السينما المصرية، "زوجة رجل مهم"، فيلم يمكن أن تكتب عنه كل مرة شيئا جديدا كلما أعدت مشاهدته، و ستبقى لقطة النهاية لميرفت أمين بنظرتها الصامتة التي تقول كل المعانات و الاحباطات، و كيف تحولت من مغرمة مليئة بالأمل و الحياة، الى انسانة مدمرة كليا بفواجع مقتل الوالد و انتحار الزوج، "ماستر سين"، بل "ماستر بيس".. بكل المقاييس..
أثناء عرض "زوجة رجل مهم" خلال مهرجان موسكو في الثمانينات، كان "روبير دي نيرو" رئيسا للجنة التحكيم، و قد أثنى على مستوى الفيلم، وقال عنه انه جميل، لكنه قال عن أحمد زكي بأنه ممثل عظيم و عبقري، و عندما وصل هذا الاطراء لأحمد زكي، ضحك وقال: "Excellent يعني ممتاز.. صح؟!!"، ثم راح يعبر عن سعادته بطريقته وسط الوفد المصري، بقاموس الضابط "هشام": "بيقوللي Excellent.. يا ولاد الكلب!!"..