يبدو أن شباب مدينة اليوسفية تخلصوا من رواسب الخوف والتبعية، وأضحوا بذلك يجتهدون في صيغهم الاحتجاجية ويبدعون في آليات تصريف مطالبهم التي يعتبرونها مشروعة في شغل شريف وعيش كريم. غير أن هذا الإبداع الطارئ أنجز بشكل ذاتي بعيدا عن مقرات الأحزاب والنقابات والجمعيات، ما يؤشر على فقدان الثقة في التنظيمات المؤسساتية المحلية التي سُحب البساط من تحت أقدامها في ظل أنانية وانتهازية تتضح بشكل جلي كلما قرُب موعد الانتخابات وتزيد جرعتها في استقطاب أصوات سرعان ما تنتهي صلاحيتها. إن ما تعيشه شوارع اليوسفية منذ ما يزيد عن شهر من ارتجاج في الأرصفة والجدران جراء التنظيم المحكم والإقبال المتزايد خلال وقفات ومسيرات استطاعت اقتحام الأحياء الشعبية، في محاولة لإيصال مطالب المحتجين وبعثهم برسائل قوية للمسؤولين المحليين لعلهم يلتقطونها في أقرب وقت قبل أن تنزاح الشعارات المرفوعة عن مسار المطالب الاجتماعية، خاصة أن السلطات المحلية تعي جيدا مخاطر ترك الحبل على الغارب في مثل هذه الاحتجاجات العفوية، كما أنها تعرف جيدا أنه من الصعب التحكم في صرخة شباب يعيشون على وقع فراغ اجتماعي ونفسي ينذر باحتقان فوق احتقان لسبب واقعي وبسيط، كون المكونات السياسية والجمعوية بالمدينة تعيش على بياض رهيب وبعد ممتد على مسافة ضوئية عن نبض الشارع اليوسفي، وهذا له أسبابه لا يسع المجال هنا للتفصيل فيه. من هنا، جاز لنا أن نطرح استفهاما مفاده؛ هل نحن أمام حركة شبابية جديدة ترفض الوساطة الحزبية والجمعوية؟؟ أم أن التراجع الحزبي والجمعوي في التفاعل مع رهانات الشباب هو الذي ساهم في بزوغ هكذا تجمعات؟؟ لا شك أن هناك عجزا في قدرة الأحزاب والجمعيات على التأطير بسبب تركيزها على ما هو انتخابي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ولا شك أيضا أن الاحتجاجات العفوية تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات ما لم يتم الإنصات لبواعث الاحتجاج، فحينما يخرج المحتجون فرادى وجماعات ويجتهدون لأنفسهم ويبدعون في آليات تصريف رسائلهم، فهذا ينبئ عن تراكمات وصلت إلى أقصى ما قد يبلغ إليه الاحتقان الاجتماعي بكل تجلياته، ويؤشر كذلك على وعي جمعي أضحى يدرك الحقوق ومستعد لتنفيذ الواجبات، وهذا ما أفرز دينامية احتجاجية لرفض الوضع القائم والتطلع إلى الأفضل. إن اتساع دائرة الوعي بثقافة التعبير السلمي والحريات يضع الجهات المسؤولة على محك تدبير المرحلة أمام هذا التنامي الاحتجاجي، ويجبرها على مقابلة الاحتجاج السلمي بالإنصات والحوار الهادف، عوضا عن لغة التهديد وأسلوب المقاربة الأمنية.