مجلس النواب ينتخب أعضاء المكتب .. وخلافات تؤجل الحسم في رؤساء اللجان    وزيرة الشؤون الخارجية الليبيرية تنوه بمستوى العلاقات التي تجمع بلادها بالمغرب    مدير "الفاو" يحذر من تفاقم الجوع بإفريقيا ويشيد بالنموذج المغربي في الزراعة    مباحثات تجمع رئيس الحكومة ومدير "الفاو"    شركة سافران والخطوط الملكية المغربية تعلنان تعزيز شراكتهما في مجال خدمات محركات الطائرات بالمغرب    غوغل تطرد 28 من موظفيها لمشاركتهم في احتجاج ضد عقد مع إسرائيل    إيران تتوعد إسرائيل: "ستندم" على أي هجوم    مصرع قائد الجيش الكيني في تحطم مروحية    الدكيك: نستعد لمواجهة ليبيا بجدية كبيرة    تلميذ يرسل أستاذا إلى المستعجلات بتزنيت    ما هو تلقيح السحب وهل تسبب في فيضانات دبي؟        بطولة اتحاد شمال إفريقيا أقل من 17 سنة.. المغرب يتعادل مع الجزائر (1-1)    شاهدها.. الإعلان عن أحسن صورة صحفية لعام 2024    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في سرقة بطاريات السيارات    لماذا يصرّ الكابرانات على إهانة الكفاح الفلسطيني؟    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين    الحكومة ستستورد ازيد من 600 الف رأس من الأغنام لعيد الاضحى    طنجة: توقيف شخص وحجز 1800 قرص مخدر من نوع "زيبام"    بوريطة يشيد بمواقف ليبيريا الثابثة في قضية الصحراء المغربية    مجلس الحكومة يصادق على مشاريع وتعيينات    مطار حمد الدولي يحصد لقب "أفضل مطار في العالم"    نجوم مغاربة في المربع الذهبي لأبطال أوروبا    نهضة بركان يحل ضيفا على اتحاد الجزائر يوم الأحد في نصف نهائي كأس الكاف    المغرب متراجع بزاف فمؤشر "جودة الحياة"    البيجيدي يجدد الثقة في بووانو رئيسا لمجموعته النيابية    واش تنادم معهم الحال حيث شافوه محيح مع العين؟ نايضة فالأهلي المصري بسبب سفيان رحيمي    ما الذي قاله هشام الدكيك قبل المواجهة الحاسمة أمام ليبيا؟    السفينة الشراعية التدريبية للبحرية الألمانية "غورتش فوك" ترسو بميناء طنجة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المغرب وليبيريا يجددان التأكيد على مواصلة تعزيز تعاونهما الثنائي    هل تغير أميركا موقفها بشأن عضوية فلسطين بالأمم المتحدة؟    تاجر مخدرات يوجه طعنة غادرة لشرطي خلال مزاولته لمهامه والأمن يتدخل    أصيلة.. توقيف ثلاثة أشخاص للاشتباه في ارتباطهم بالاتجار في المخدرات    فدوى طالب تكشف موعد عرض "مروكية حارة" بالقاعات السينمائية    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    هل يتراجع "الكاف" عن تنظيم نسخة جديدة من "السوبرليغ" في 2024؟    تقرير دولي يكشف عن عدد مليونيرات طنجة.. وشخص واحد بالمدينة تفوق ثروته المليار دولار    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    عزيز حطاب يكشف ل"القناة" حقيقة عودة "بين القصور" بجزء ثانٍ في رمضان المقبل!    رونالدو يكسب يوفنتوس في ملف تحكيم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أكادير تحتضن الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ    تنظيم الدورة الثانية لمعرض كتاب التاريخ للجديدة بحضور كتاب ومثقفين مغاربة وأجانب    بينهم سوري.. عقود عمل وهمية والإتجار بالبشر يطيحان ب5 أشخاص في فاس    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه الدولة        قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    أرقام رسمية.. 3000 مغربي مصاب بمرض "الهيموفيليا" الوراثي وها شنو موجدة وزارة الصحة لهاد النزيف الدموي    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دين يواصل الكفاح في ظروف من التآمر والتكالب..؟
نشر في أخبارنا يوم 20 - 09 - 2014

في حديثنا السابق تناولنا موضوع الافتراء على الإسلام وقيمه ومبادئه بناء على ما تعيشه أرض، الإسلام ومواطني هذه الأرض من مسلمين وغير مسلمين، وعندما نقول أرض الإسلام، فنحن نقصد المدلول الجغرافي، وليس الدلالة الفقهية، فهذه الدلالة الفقهية لم يعد لها وجود لأن الناس في عالم اليوم يعيشون مواطنين أينما حلوا ووجدوا لهم ما لغيرهم، وعليهم ما على غيرهم وإذا كانوا مهاجرين مقيمين فلهم حقوق يحددها القانون وعليهم واجبات يحددها القانون كذلك فكل إنسان اليوم أينما وجد فهو له (مركز قانوني) معين، ولذلك فإن من بين الافتراء على الإسلام اجترار بعض المفاهيم القديمة، في إطار تأويل منحرف عن مقاصد الشريعة وأهدافها، إذ نبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه قال (الناس كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)، والمعنى واضح فلفظ الناس، في العرف الإسلامي يشمل جميع الآدميين بقطع النظر عن عقائدهم وأديانهم، وإنما الناس في هذه المعاني تدخل في عموم قول الله تعالى ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) وإذا كان الافتراء لا يزال مستمرا من أطراف متعددة فإن على الإسلام والمؤمنين به حقا وصدقا مع خلوص النية والعمل لله أن يواصلوا العمل لتوضيح هذا الافتراء ومقاومته...
والشيخ محمد الغزالي رحمه الله قد قام بهذا الدور ما استطاع لذلك سبيلا طيلة حياته وركز في أحد كتبه على مقاومة الإسلام لكل تحريف وانحراف وافتراء فكتب كتابه "كفاح دين" الذي نورد اليوم بعض فصل منه في موضوع العلاقة المنشودة والقائمة بالفعل بين الإسلام والمسيحية، وإن شئت الدقة قلت بين المسلمين والمسيحيين ونحن نورد هذه العلاقات، والجهات الغربية والمسيحية تستعد لجمع "الحْرْكة" (بسكون الحاء والراء) وهو مصطلح مغربي قديم كانت السلطات تقوم به فتجند المتطوعين للحرب معها كما كانت القبائل تهيئ "الحْرْكة" كذلك للدفاع عن نفسها.
فالحلف الذي يتم تحضيره لضرب فئة مفترية على الإسلام والمسلمين باتخاذ مصطلح (دولة الإسلام) ولاشك أن الحرب التي يهيئ لها الغرب هذه "الحْرْكة" ستجرى في أرض الإسلام وستتأثر بها بناه التحتية وثرواته وستزهق الأرواح وسيتحقق أمر أساس وهو الإجهاز على ما تحقق من منجزات البناء طيلة ما يزيد على قرن من جهد وعمل وتضحيات لإيجاد هذه البنية التحتية ومؤسسات اقتصادية وتجارية بالإضافة على ما سيتم تبديده من ثروات الأمة، وبذلك يحقق أصحاب "الحْرْكة" الأصليين وليس (التبعيين)، الذين ساهموا في خلق هذا الغول طيلة سنوات بالتمويل والتسليح والتدريب ليعودوا اليوم تحت تأثير تهديده لمصالحهم وكراسيهم لمحاربته.
وهكذا قدر على الإسلام أن يتحمل وأهله خسارتان الأولى وهي أصعب الافتراء على الإسلام وتشويه صورته وقيمه، والثانية الأرواح والثروات التي تضيع وتبدد. ولكن الإسلام سينتصر وهذا ما ندركه من خلال وقائع التاريخ وهو بعض ما استعرضه الغزالي في كتابه: (كفاح دين).
*************

في مواجهة الزواحف
واليوم سنعيش لحظات مع الشيخ محمد الغزالي في كتاب آخر هو (كفاح دين) وهو من الكتب المتميزة للشيخ محمد الغزالي حيث عالج في هذا الكتاب نضال الإسلام وجهاده في وجه الزواحف التي تزحف نحو هذا الدين في محاولة تلو المحاولة لعل الفرصة لنجاح تلك المحاولات للنيل من الإسلام ومن قيمه ومبادئه، وليس معنى ذلك أن هذه المحاولات قد انتهت، وأن القائمين بها أدركوا أنهم لن يفلحوا وأنهم يضربون في حديد بارد أو هم كما قيل (كناطح صخرة) بل إن ما يعيشه الإسلام اليوم أشد ضراوة مما عاشه في القرون والعقود السابقة، فالفرصة مواتية ما دام الواقع الإسلامي على ما هو عليه من كثرة الجماعات والهيآت التي ترفع يافطة الإسلام مع التوجه بعيدا عن الإسلام وحقائقه وقيمه.
كتاب مقاوم
والكتاب أراد منه أن يدفع بأسلوب علمي، وحوار رصين وحجة قوية ما يروج له بصفة خاصة المستشرقون وأبواق الاستعمار، وكذلك من يركبون موجة (القومية العربية) حين وضع الكتاب لمهاجمة الإسلام وكانت القومية العربية آنذاك عملة رائجة ووسيلة للتقرب إلى مراكز القرار مع افتعال الخصومات الداخلية بين العناصر المتساكنة في المجتمعات الإسلامية وبصفة خاصة المجتمعات العربية أو الغالب فيها استعمال اللغة العربية، وإذا نظرنا إلى ما يجري اليوم في الواقع العربي والإسلامي، فإن هذا الواقع نجاح جزئي لأولئك الذين قاومهم الغزالي باسم الإسلام، ولكنهم استطاعوا بإحياء النغرات القبلية والاتجاهات الاثنية أن يشعلوا الفتن في كل مكان في أرض العرب والإسلام.
أسلوب جديد
والكتاب عندما نستعرض عناوين الفصول التي تضمنها ندرك بكل صدق أن هذا الدين لا يزال مستمرا في كفاحه من أجل إصلاح أحوال الناس ممن يعتنقون الإسلام دينا أو يعيشون في أرض نسب وينسب أهلها إلى الإسلام، ذلك أن الصراع الذي أشتد أواره في بلاد الإسلام لم يعد أن يكون ثمرة من ثمرات ن الشبه والتضليل الذي مورس من قبل ولكنه الآن أخذ طابعا جديدا وسلك نهجا آخر غير الذي سلكه من قبل.
وإذا كان بعض الناس يتخذون من الأقليات الدينية سببا لمهاجمة الإسلام وشريعته، واشتغل في السنوات الأخيرة لضرب الإسلام ودعاته مع ما أتاحه المنحرفون عن الإسلام ممن يذبحون ويقتلون الناس بغير حق وقد اخترنا أن يكون الفصل الذي يتناول التعايش والتعاون بين الإسلام والمسيحية من الكتاب ما سنعرضه اليوم في هذا الحديث ذلك أن من ادعوا أنهم يقيمون دولة الإسلام كان عملهم في كل مكان هو ذبح ونحر المسلمين والنصارى من غير شفقة ولا رحمة يقول الغزالي وهو يفتتح هذا الفصل مع وضع كثير من الأسئلة:
فكر وأماني
فكرت مليا في النزاع القديم المطرد بين النصرانية والإسلام..
ووددت لو استقرت العلاقة بين الدينين على دعائم إنسانية أرقى وأرق.
وتساءلت: أما من خطة قاصدة راشدة تتيح لأتباعهما أن يعيشوا أصفياء أتقياء، وإن اختلفت عقائدهما؟.
أما من خطة قاصدة راشدة تتيح لمبادئهما أن تلتقي في ميادين الحياة دون صدام يقدح الشرر، ويلقح الحروب؟.
أما من خطة قاصدة راشدة تنصف رسالات السماء وتشرف الضمير الديني، وتنفث في روع الناس أن الذين ينسبون أنفسهم إلى الله أصحاب سلوك يستحق الاحترام والإعجاب؟».
وكان الغزالي الذي عرف بالشدة شعر أن القارئ يتساءل فأجاب:
ليس جنوحا
لست جانحا إلى الخيال في هذا التمني، ولا بعيدا عن الواقع.
أنا أعلم أن هناك نوعا من التجهم للدين كله يجمع بين أقوام بعضهم مسلمون وبعضهم نصارى -حسب تسمياتهم الموروثة- ويجعلهم مواطنين معتدلين.
لكن هذا التجمع في ظلال الانحلال وقلة الاكتراث بحقيقة الإيمان لا قيمة له عندي..»
ويتناول الغزالي واقع الناس من أصحاب الأديان ويحلل نفسياتهم فيقول:
«فالفراغ النفسي الذي يضم في دائرته ألوف الناس ويشغلهم بأمر القوت وحده، ويجعل ما عدا ذلك نافلة ساقطة الاعتبار –هذا الفراغ شر، يساوي أو يربو على شرور التعصب الأعمى.
بل قد يكون التمسك الحاد بدين ما، أجدى من الانصراف المطلق عن الأديان كلها..».
ويعبر الغزالي عما يريده من الناس ومن واقعهم المنحرف وفي هذا يقول:
خطة تجمع
«إنني أبتغي خطة تجمع -على السماحة والمياسرة- بين مسلم يرى أنه موصول بالله على أهدى طريق، ونصراني يرى أنه يعرف الحق الذي جهله الآخرون...
ومع ذلك البعد في وجهات النظر فكلاهما ينأى في معاشرته للآخر عن الغدر والختل، والبغضاء والشحناء.
بل كلاهما يقيم معاملته لصاحبه على الود والعدل، ويتمنى له التوفيق والخير..!
وفي المعاملات العامة بين الناس كثيرا ما نفصل بين عواطفنا بإزاء شخص معين وبين حكمنا على أفكاره ومعارفه..»
تجاهل
«فنقول: فلان يعتقد كذا وكذا من الأخطاء الغريبة، ومع ذلك لا نبالي بما يسكن ذهنه من أغلاط ونلتفت إلى السلوك العام فحسب، ثم نبني عليه شتى الصلات..
إني مستعد لمصادقة امرئ يؤمن بأن الأرض محمولة على قرن ثور!!
ومستعد لموادة امرئ يوقن بقداسة العجول، ونسبها الموهوم إلى الآلهة!.
وراثات كبلت عقولهم وقيدت مشاعرهم، وما يمكن أن تنفك قيودها ولا أن تتقطع حبالها إلا على أزمنة متراخية يسودها السلام، ويخفي منها العناد، وتنفصل فيها العقائد عن الملابسات التي تغري بالركون إلى جهل أو التنكر لعلم».
مومن غيور
والغزالي وهو يعبر عن رغبته وأمنيته في التفاهم يعود ويؤكد أنه مسلم غيور على دينه وأن غيره من الديانات هي مصابة بالعوج.
وأنا رجل مسلم وثيق الصلة بديني، راسخ القدم فيه، عنيف الغضب لما يوجه إليه من إساءات، مطمئن القلب إلى أن غيره من الديانات قد اعوجت به السبل وأفلت منه الحق.
ومع إيماني التام بأن النصرانية –مثلا- تنطوي على أخطاء جسام في تصورها لله، وإنفاذها لحكمه، وفقهها لأمره... مع ذلك فلست أرى أبدا أن طريق المعايشة السليمة ضيقة بأتباع الدينين.
والغزالي لا يستعيد أن يلتقي الموحد مع صاحب الثالوث.
موحد وثالوثي
ولا أستغرب أبدا أن تقوم مودة صافية بين رجلين يؤمن أحدهما بأن الله واحد، ويؤمن الآخرين بأن الله ثلاثة...
إن الخلاف العقلي في مثل هذه الشؤون لن تفصل فيه محكمة تؤلف اليوم أو غدا إنه خلاف سيبقى حتى يلقى الناس ربهم.
وعندما تتلاقي كل هاتيك الفرق المتنازعة، وتمثل بين يدي الله، يومئذ فحسب- يعرف المخطئ سر انحرافه: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ».
والغزالي هنا يفصح عن حقيقة الدين الحق والدين المزيف فيقول:
محاكمة صادقة
أجل، وسوف يسمع الله هذا الاختصام، وسوف تترك الفرصة كاملة ليدلى كل فريق بما عنده ... لم؟:
«لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ»
على أن ذلك السلام المنشود بين أهل الأديان يتطلب أمورا لابد من إيجادها واستدامتها..
لعل في أولها الاعتراف المتبادل بحق الحياة الشريفة لأصحاب العقائد المتباينة.. ومنح كل دين الحرية المعقولة ليبين عن نفسه ويذود عن معناه.
وتأمين الاتباع على أموالهم وأعراضهم ودمائهم فلا يضارون في شيء منها لإيثارهم دينا على غيره».
«والجور على هذه المعاني وقع ولا يزال يقع بين الناس.
لا بين أشياع الديانات المختلفة فحسب، بل بين رجال الدين الواحد عند ما تضطرب أفهامهم في تفسير أصوله أو فروعه-!!»
ويحلل الغزالي عوامل التعصب، ويرى أنها لا ترجع إلى الغيرة الإيمانية فيقول:
مرجع التعصب
«ومرجع ذلك –في أغلب الأحيان- ليس المبالغة في إرضاء الله تعالى كما يعتقد الجائرون المتعصبون- بل هو ضيق العقل واستحكام الهوى وقدرة النفس الإنسانية –للأسف الشديد- على إتباع شهواتها وارتكاب مظالمها، وكأنها تتقرب الى ربها وتقيم حقوقه بدقة وحماس.!!
ولنعد إلى الماضي البعيد نستبين أحداثه! وكم من مشابه غريبة بينه وبين الحاضر القريب.؟».
ويعود الغزالي إلى التاريخ يستنطقه عن حقائق الماضي
فرق ومذاهب
لقد ظهرت المسيحية قبل الإسلام بنحو ستة قرون، وقامت باسمها حكومات مرهوبة الجانب.
وافترق المسيحيون في فهمهم لطبيعة دينهم فرقا كبيرة، تحول النزاع بينها إلى صراع نسفك فيه الدماء.
والاختلاف طبيعة البشر، والنزاع الداخلي بين أهل ملة ما، لا يعنيني كثيرا. وإنما يعنيني هنا أن النصرانية استقبلت الإسلام بصدر ضيق.
وأنها ما إن رأت الجماهير تقبل عليه حتى قررت اعتراض مسيرة بالقوة، وإسكات دعاته الذين يشرحون حقيقته، ويشرحون صدور الناس باعتناقه».
دين منافس
لقد نظر الرومان –وهم في ذلك العصر أصحاب السلطان باسم النصرانية –
نظروا إلى الإسلام لا على أنه دين يعاون في هداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور. بل على أنه منافس محذور النجاح.
كما ينظر التاجر القديم إلى مؤسسة جديدة مزودة بأسباب النهوض والنماء. فهو يرى امتدادها والإقبال عليها خطرا على كيانه وبقائه.
والنصرانية من هذه الزاوية معذورة في كراهيتها للإسلام.
بيد أننا نتساءل: أكل جديد في ميدان العلم والمال والرأي والفقه ينبغي أن يصد عنه ويستباح حماه لأن هناك من يكرهه ومن يضيق به ! كلا
فيترك المجال فسيحا للتنافس المشروع، ولتترك العقائد المختلفة تستمد حياتها وقداستها من سلامة مبادئها ومدى استجابة المؤمنين لها، وبقائهم عليها، دون ضغط أو قسر!!
رجال المسيحية والاستعمار
لكن رجال المسيحية –كما سنرى من استعراض التاريخ في الماضي والحاضر- يأبون على الإسلام أن يحيا، ويرفضون في بغضاء عميقة أن يرتفع له لواء.
وخبثهم الاستعماري في هذا العصر تجديد لسيرتهم الأولى أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، لم تتغير فيه إلا الوسائل.
أما الغايات والنيات فهي هي حذوك النعل بالنعل.
وكان من المستطاع لو صلحت المقاصد وزكت الأهداف أن يقوم تصالح على ترك العناصر المشتركة بين الدينين تسير طليقة أو –على الأصح- تسير مدفوعة بإخلاص الفريقين لها.
ثم ينفرد كل ما اختص به يدعو إليه على حدة، دون اشتباك دام مع الآخرين، فمثلا يجب أن ندعم جميعا عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر. وأن نحارب جميعا دعوة الإلحاد والفساد.
حق وواجب
ثم من حقنا –نحن المسلمين- بعد ذلك أن نفهم الجميع بأن الله واحد لا ولد له ولا والدة، وأن تتاح لنا فرص الدعاية لما ندين به.
على أن تتاح هذه الفرص نفسها لمن يرون أن الله مكون من ثلاثة أقانيم كما تتكون الأصبع من ثلاث عقد. كل واحدة منها غله. وكلها كذلك إله.
ولا معنى لاستخدام السلاح في الاستدلال على شيء من هذا الكلام أو في الإقناع به، ولا لإقحام الدولة في فتنة المؤمنين عما استراحت إليه ضمائرهم من هذه الخلافات والمذاهب.
وما يمكن التعاون عليه بإخلاص وصدق كثير.
وما وقع من خلاف يعز على التفاهم، فلنفوض فيه الأمر إلى الله ويجب ألا يكون ذريعة عدوان أو تحاقد أو بغي.
لقد استقبلت بهذا التفكير الدعوة إلى عقد مؤتمر مسيحي إسلامي.
وكان –من حسن الحظ- أن حضرت جلساته التي انعقدت في الإسكندرية من بعض سنين.
وأحسب أن ألوف العقلاء يسرهم الوفاق بين طوائف البشر.
غير أن الحوادث الرهيبة التي سبق ولحقت هذا المؤتمر، وسير المناقشات فيه يجعلني أتشاءم من مستقبل العلاقة بين الدينين، ويجعلني أحاذر من عودة الأمور إلى مجراها المؤسف القديم...».
وعن ولادة فكرة الحوار يقول الغزالي:
ولادة فكرة
«ولدت فكرة «التعاون المسيحي الإسلامي» في ظروف كئيبة.
إذ أن أبناء الإسلام كانوا يتلوون من الألم والأذى بعد الضربة الشائكة الموجعة التي نزلت بهم في فلسطين..
الم تتآمر الدول النصرانية –كبراها وصغراها- على طرد العرب من ديارهم وأموالهم، وتتفق –في صفاقة نادرة- على توريث اليهود ارض الأحيان المقهورين تم تنتصب أعظم الأمم المسيحية على ظهر الأرض- وهي «أمريكا» «وانجلترا» و«فرنسا» لإقرار ذلك الجور بقوة السلاح وإعلان الاستمساك به وحمايته.
ولو كان ذلك العمل غفوة ضمير نام ثم استيقظ، أو زلة قدم سقطت ثم تابت لقبلنا المعذرة:
فكيف وهذا العدوان الفاحش سبقه ولحقه التحدي والإصرار؟.
وبعد تسع سنين من وقوعه تستأنف انجلترا وفرنسا –ومعهم اليهود- الهجوم على مصر نفسها لإذلالها وإخماد أنفاسها..
فإذا أنجاها القدر الأعلى تدخلت أمريكا لتزيد إسرائيل قوة على قوة.
ولتفك الحصار الضئيل المفروض عليها، فترسل أسطولها الضخم ليجعل الملاحة في خليج العقبة ميسرة لليهود.
إشباع أحقاد دفينة
«وأمريكا بهذا العمل تشبع أحقادا صليبية دفينة، وتفتتح ثغرة في الكيان الإسلامي، إن استترت اليوم فستنكشف غدا.
إذ هي تؤمل في إذلال المسلمين وتهديد مواطنهم في تلك البقاع الحساسة. وإليك نبذا من بيان نشرته الهيئة العربية العليا لفلسطين يوضح هذه الحقيقة:
«إن المطامع الاستعمارية في خليج العقبة ليست حديثة. بل هي قديمة العهد من زمن الحروب الصليبية.
شيء من التاريخ
فمن خليج العقبى قامت حملة البرنس ارناط عام 578 هجرية. فهاجمت شواطئ البحر الأحمر على الجانبين الأسيوي والإفريقي، ونزلت في أرض الحجاز حتى كادت تطرق أبواب المدينة المنورة لولا وصول حملة التأديب المصرية بقيادة الأمير «حسام الدين لؤلؤ» قائد أسطول مصر في عهد صلاح الدين، فقضى على حملة ارناط وأغرق أسطولها.
ولا نعدو الحق إذا قلنا: إن كثيرا من ساسة الغرب وقادته المتأثرين بالنزعات التبشيرية ما زالت تسيطر على نفوسهم وتصرفاتهم روح العصبية المعادية للإسلام والعروبة».
وعن أهمية خليج العقبة يقول:
«وفي شأن خليج العقبة وتمجيد حملة «البرنس ارناط» ننقل هنا ما قاله الأب «لامانس» اليسوعي لفت خليج العقبة وموقع» أيله أنظار البطل الصليبي «البرنس ارناط» ولمس أهميته فعمل على احتلال تلك البقعة ونشر الرعب فيها بأسطوله.
ولاشك أنه ضرب مثلا بإقدامه وجرأته لجمع كبير من أبطال الاستعمار الأوروبي الذين جاءوا من بعده وجاهدوا مثل جهاده.
فهو الذي شق الطريق أمامهم وهم نسجوا على منواله».
وفي عام 1906 حينما كانت انجلترا تحتل مصر، حاولت أن تنتزع العقبى وخليجها من الدولة العثمانية وتضمها إلى سيناء المصرية التي كانت تحت حكمها وسيطرتها. وحدث من جراء ذلك نزاع طويل بين الدولتين انتهى بفشل انجلترا.

على أن انجلترا ظلت تترقب الفرص لانتزاع العقبة وخليجها إلى أن انتهزت فرصة سقوط الحجاز بيد الملك عبد العزيز آل سعود سنة 1926 فعملت على ضم العقبة إلى الأردن الذي كان حينئذ تحت حكم انجلترا وسيطرتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.