غاب حزب الاستقلال عن الحضور في وسائل الإعلام العمومية. فخلال شهور خلت لم يظهر أثر لهذا الحزب في كثير من البرامج السياسية التي تبثها القنوات التلفزية العمومية والخاصة في بلادنا. وحصل مرة أن اخبر مسؤولو الحزب أن دورهم في الحضور قد حان، ولكن وفي آخر لحظة يتم إخبار إدارة الحزب أن موضوع الحلقة تغير، وتم تبعا لذلك تغيير الضيوف. ليتأكد بعد ذلك أن الأمر كان مرتبطا بحضور ممثل عن الحزب، وأن الحلقة ألغيت بالكامل، وعوضت بفيلم من أفلام المغاربة التي تشبه برامجه السياسية في وسائله الإعلامية العمومية. ومنذ ذلك الحين لم يجر أي اتصال لدعوة ممثل عن هذا الحزب للمشاركة في برنامج سياسي ما. كيف نفسر هذا السلوك؟ ثمة كثير من مشاريع الأجوبة المحتملة: أولها، القول بأن هناك من يستعمل وسائل الإعلام العمومية في استهداف جهة سياسية، فالذي يتحكم في هذه الوسائل ليس هو الشعب الذي يمولها من جيوبه، بل إن الذين يتحكمون فيها هم جهة معنية بالصراع السياسي الدائر في البلاد. وينجزون تقديرات متتالية، وفي إطار هذا الإنجاز يتم تحديد الحزب أو النقابة أو الجمعية التي ستفتح لها وسائل الإعلام العمومية أبوابها. وفي هذا السياق يفهم الرأي العام الحماس الكبير الذي انخرطت به وسائل الإعلام العمومية في الحملة التي استهدفت حزب الاستقلال خلال الشهور القليلة الماضية. وبذلك يصح القول إن تغييب حزب الإستقلال عن البرامج السياسية التي تبثها القناتان الأولى والثانية لم يكن من قبيل الصدفة، بل إنه يندرج في صلب الحملة التي تستهدفه. ثانيها، القول بأن هناك من يخاف من حزب الاستقلال، واستقدام ممثل عنه ليخاطب الرأي العام الوطني مباشرة في ظروف سياسية دقيقة يكتسي في تقدير جهة معينة خطورة كبيرة جدا، وستكون لهذه الاستضافة تداعيات كبيرة وقوية جدا على الأوضاع السياسية العامة في البلاد. الخوف من حزب الاستقلال في هذا الموضوع مرتبط أشد الإرتباط باستحالة توجيه خطاب الحزب والتحكم فيما سيبديه من آراء ومواقف، وما سيعرضه من تحاليل عميقة جدا. لذلك يردد أصحاب الحال في قرارة أنفسهم إنه لا ثقة في رجالات ونساء هذا الحزب، لذلك لا يمكن السماح لواحد منهم أو لواحدة منهن بمخاطبة الرأي العام. ثالثها، القول بأن الأمر يتجاوز المستويات السابقة، ويرتبط بوجود بنية غارقة في التخلف في هذا المجال، وبوجود ثقافة تدبيرية متجاوزة تهم هوية وسائل الإعلام العمومية. بنية غارقة في التخلف تحجب الرؤية بصفة مطلقة لا يمكن القول في شأنها بأن المسؤولين في وسائل الإعلام العمومية هم الذين يسيرون ويدبرون هذه الوسائل، بل هم مجرد (كومبارس) يقومون بأدوار جد محددة، ومجرد أجراء يتشبثون بمناصب المسؤولية الشكلية مقابل حصولهم على إمتيازات مالية مغرية. وأن الذي يحكم ويسود في هذه الوسائل هي جهة لا تظهر في الصورة. ثقافة تدبيرية متجاوزة لم تتمكن من استيعاب الحقائق المرتبطة بمفهوم تقديم الخدمة العمومية من طرف وسائل الإعلام العمومية التي هي في جوهرها مرافق عمومية يجب أن تلبي حاجيات عمومية معينة. ومن لا ينتمي إلى هذه الثقافة لا فائدة من مناقشته في فلسفة الخدمة العمومية في وسائل الإعلام العمومية. ولا جدوى من تذكيرهم بأن مفهوم الحصار الإعلامي تغير بين زمن كانت جهة معينة تتحكم في جميع وسائل الاتصال وأن الولوج إلى وسيلة إعلام معينة كان بالضرورة يجب أن يمر عبر موافقة مسؤول سياسي رسمي متحصن بين جدران مكتبه الفخم. وبين زمن الانفتاح الإعلامي الهائل والمذهل الذي مكن الجمهور من دور فاعل، وأضحى فيه الجمهور منتجا وفاعلا في العملية الإعلامية. وأن عملية الولوج إلى منطقة ممارسة حرية التعبير لم تعد مشروطة كما كانت في السابق. ولذلك فإن حزب الاستقلال سواء سمح له بالمرور في قنوات تلفزية لا تحظى باحترام الجمهور، أو لم يسمح له بذلك، فإنه لن يتضرر بالمطلق. وأن الذي سيتضرر هي صورة البلد التي قيل إنها تراكم المكاسب.