يبدوا أن الإشتراكيين الفرنسيين عازمون على إستعادة مراكز النداء من الخارج إلى فرنسا , علما أن أهم هذه المراكز تستقر بالمغرب حيث تخلق حوالي 30 ألف منصب شغل وفي تونس 12 ألف منصب شغل وكذلك الأمر في رومانيا والعديد من الدول , غير أن حصة المغرب من ترحيل خدمات العديد من القطاعات منها الأبناك و التأمينات , تبقى الأهم لإعتبارات مختلفة تتمركز أساسا حول الفرنكفونية السائدة في البلاد وتوفر كفاءت لسانية متميزة بشكل يضاهي المستخدمين الفرنسيين , إضافة إلى ذلك فإن هامش الربح الكبير الذي تحققه هذه المراكز في المغرب يعد نقطة جذب قوية , فإذا كانت الساعة الواحدة تكلف مراكز النداء في فرنسا ما بيم 23 و28 أورو , فإن الأمر لا يتجاوز في المغرب 10 إلى 15 أورو على أقصى تقدير , فتحولت بلادنا إلى جنة للمستثمرين في القطاع. ساركوزي وحكومته منذ 2004 وهما يستعملان ورقة مراكز النداء لتحقيق مكاسب إنتخابية , وإتخذت عدة إجراءات لم تستطع التأثير المباشر على تنامي هذه المراكز , في المقابل قامت الدولة المغربية بالرهان على قطاع ترحيل الخدمات , دون إعتبار أو توقع لإنسحاب هذه المؤسسات والعودة إلى بلدانها , بل قامت الدولة بالإستثمار في مناطق الأفشورينغ وقامت بوضع مخطط للتكوين يستجيب لحاجيات القطاع وسط توقعات بأن يصل حجم العاملين إلى 70 ألف منصب شغل في مراكز النداء لوحدها في متم سنة 2015 , وفي ظل الخصاص الكبير في فرص الشغل , فإن العديد من الكفاءات لم تجد بديلا عن مراكز النداء , علما أن العمل في مراكز النداء لا يضيف أية قيمة ذات إلى المسار المهني للشخص , وبالتالي فإن الإستقرار لمدة طويلة في هذه المراكز يهدد أصحابها بفقدان المعارف المحصل عليها في التكوين الأصلي , وفي هذه الحالة يصبح مستخدموا المراكز بدون قدرة تنافسية في سوق العمل..المهم اليوم هو أن هناك آلاف الأسر التي تشكلت نتيجة العمل في مراكز النداء , وإذا مضى الإشتراكيون الفرنسيون بجدية في تحقيق مخطط إستعادة هذه المراكز إلى التراب الفرنسي , فإن بلادنا ستواجه مأساة إنسانية خطيرة يجب العمل على تفاديها بكل الطرق , فالديبلوماسية المغربية يجب أن تتحرك بصفة إستعجالية لتطويق التوجه الفرنسي الجديد , ولما لا التهديد بسحب العديد من الإمتيازات الإستثمارية التي تقدم لفرنسا في المشاريع العملاقة , إذ لا يمكن أن نسكت عن دفاع فرنسا عن مصالح مواطنيها , وعندما يكون هذا الدفاع يهدد مصالح مواطنين مغاربة. في الواقع لم يكن أحد قبل عشر سنوات يتوقع أن هذه المهنة المرتبطة بترحيل الخدمات يمكن أن تكون رهانا للسياسيين في البلدان الغربية , فحجم النمو الذي كانت البلدان الغربية تحققه , كان يجعل من هذه المهن مهنا هامشية في سوق العمل وبلا تأثير يذكر , لكنها اليوم وفي ظل الأزمة الإقتصادية و المالية التي تعرفها غالبية البلدان الأوربية والولايات المتحدة , أصبحت هذه المهن ذات شأن عندما جفت سوق العمل ,بل في إسبانيا حتى حقول التوت لم تنجوا من رهان السياسين , علما أن هذه الحقول في ويلبا الإسبانية كانت متنفسا للعديد من النساء المغربيات البسيطات عبر الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات , لكنها اليوم مغلقة في وجهم بدعوى الأسبقية للإسبان الذين كانوا يرفضون مثل تلك المهن. عالم مراكز النداء ليس كله مثاليا , بل يعرف هشاشة كبيرة على مستوى الحماية الإجتماعية , فالأغلبية المطلقة منها تعتمد على عقود الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات , بكل ما تعرفه هذه العقود من هشاشة على إعتبارها عقودا موجهة للعمل الأول ولتشجيع المقاولات على تشغيل الشباب اللذين لا يملكون تجربة مهنية , لكن أن يتم إستغلال هذه العقود التي تقدم إعفاءات كبيرة على مستوى التحملات الإجتماعية , حيث نجد مراكز تعتمد على هذه العقود بنسبة تفوق 90% من مستخدميها , فإن ذلك يعني تعسفا كبيرا على قانون الشغل وعلى حقوق المستخدمين ومستقبلهم. الحقيقة هي أن مراكز النداء الفرنسية تحول أموال طائلة لفرنسا كلها أرباح , يستحيل عليها تحقيقها لو ظلت مستقرة في فرنسا , وبالتالي فالحكومة الفرنسية الحالية تسعى إلى توفير مناصب شغل أكثر لمواطنيها وزايدة الطلب الداخلي , وأساسا تحقيق الإستقرار, الدور الآن علينا نحن فماذا تعتزم الحكومة القيام به لمواجهة هذه التحديات التي ستستمر طالما إستمرت الأزمة الإقتصادية العالمية ?