فرنسا الديمقراطية وحقوق الإنسان، فرنسا الحرية والتعددية، فرنسا الثورة الفرنسية تصدر سلطاتها العمومية قراراً يقضي بمنع تنظيم أية مسيرة للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى أبشع مظاهر الإبادة، والمبرر هو نفسه الذي اعتدنا سماعه في كثير من الدول القامعة للحريات، ألا وهو الحفاظ على الأمن العام، والمثير حقا أن يبادر القضاء الإداري في فرنسا إلى إضفاء الطابع القانوني على هذا القرار بإصدار حكم قضائي لصالحه. حينما تقدم سلطات بلد يعاند في إنجاح مرحلة سياسية انتقالية على إصدار مثل هذا القرار تهرول كثير من المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية إلى التنديد بالقرار، واعتباره تضييقا على حرية التعبير وانتهاكا خطيرا لحق من حقوق الإنسان الأساسية، وتسارع إلى التشهير. عجيب أن جميع هذه المنظمات تصاب بالبكم وتضطر إلى ابتلاع ألسنتها حينما يتعلق الأمر بدولة غربية ما، إنها فعلا تكيل بعدة مكاييل، ونحن نفهم أسباب ودواعي هذا البكم الغريب الذي يصيبها... إنه تأثير المال طبعا!؟ أما من حيث قرار السلطات الفرنسية فإنه ينسجم مع إعلان الرئيس الفرنسي تفهمه للعدوان الإسرائيلي الغاشم، واعتبر أن إسرائيل في حالة دفاع شرعي عن النفس، لذلك من الطبيعي أن تصدر السلطات الإدارية والأمنية التي توجد تحت إمرة هذا الرئيس قرارا إداريا يقضي بمنع أي تظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، وحتى وإن تشبث البعض بحقه المشروع في التظاهر تصدت لهم قوات الأمن بأساليب العنف المعهودة لثنيهم عن ممارسة حقهم في التعبير، تماما كما يحدث في كثير من الأقطار التي توجد لوحدها تحت مجهر المنظمات الحقوقية الإقليمية الدولية.