يستمد المغرب مصادر القوة والصلابة والمناعة والقدرة على الصمود، من العلاقة الراسخة المتينة التي تربط العرش بالشعب في تلاحم تاريخي ممتد عبر الأحقاب، هو عنوانٌ مشع للدولة المغربية، وخاصية ٌ فريدة من خصائصها التي تؤسّس للنموذج المغربي العزيز المثال، وترسخ المفهوم الواقعي للدولة القادرة على إثبات حضورها في الساحة الدولية عبر مختلف مراحل التاريخ، بما في ذلك المرحلة الاستعمارية التي زادت من قوة العرش، وضاعفت من صمود الشعب. ويتجلى هذا المعنى العميق، وتلك الخاصية الفريدة، في مرحلة ما بعد الاستقلال التي واجه فيها المغرب تحديات خطيرة استطاع أن يتجاوزها بعد أن تغلب عليها ومضى يشق طريقه نحو بناء الدولة الحديثة التي تندمج في نسيج العصر، وتنفتح على الآفاق الدولية، وتنخرط في المعركة الوطنية لاستكمال أدوات التقدم في المجالات كافة، تحقيقًا للأهداف التي اجتمعت حولها الإرادة الشعبية، والتي تمثل الاختيارات الوطنية الجامعة بين النظام الديمقراطي، والملكية الدستورية، والتنمية الاقتصادية، والنهوض الاجتماعي، والرقيّ العلمي والثقافي، والاستقرار السياسي، وتماسك النسيج الوطني، واستكمال الوحدة الترابية للمملكة. وتلك هي المعركة التي تجدد الانخراط فيها مع اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش آبائه وأجداده الميامين في مثل هذا اليوم من سنة 1999، والتي تصاعد فيها المدُّ الوطنيُّ، وتَنَامَى الوعي السياسي الرشيد بضرورة تقوية الارتباط بين العرش والشعب لكسب رهان التطور الحثيث على جميع المستويات، وبناء الدولة المغربية القوية المتماسكة المتضامنة القادرة على مواجهة التحديات التي تفرزها المتغيرات المتسارعة التي يعرفها المشهد العالمي في جميع الميادين الحيوية. وبذلك يكون المغرب قد اختار السير في الاتجاه الصحيح، وعقد العزم على مواجهة الصعوبات التي تعترض طريقه نحو تدعيم الاستقرار وتجاوز المخاطر التي تحدق بالدول السائرة في طريق النمو المتوازن المتصاعد، والتي تعوق المسيرة السياسية نحو تعزيز البناء الديمقراطي وإرساء قواعد دولة الحق والقانون والمؤسسات الدستورية المستقرة. لقد ربح المغرب رهان التحدي الصعب الذي واجهه خلال العقد الأخير، بفضل صلابة النظام ورسوخ أركانه، وانعقاد الإجماع الوطني حول التلاحم بين العرش والشعب الذي هو مصدر القوة للكيان الوطني المتماسك المتلاحم، ومصدر الصمود أمام الإكراهات العديدة التي استطاع المغرب أن يتغلب عليها، وأن يطوّع ما لم يَقْوَ على التغلب عليه منها، لإرادته الحرة، حتى تكون تحت السيطرة. وهو المنهج القويم الذي اعتمده المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس الذي جدّد الدولة المغربية، وجدَّد العرش، وجدّد الحياة السياسية في البلاد، وأعطى دفعة قوية لمسيرة البناء الديمقراطي والنماء الاقتصادي وتقوية الانتماء الوطني إلى الدولة المغربية، وإلى العرش الحامي للوطن، وإلى الجالس على العرش الذي هو رمز الدولة وضامن وحدتها وسلامتها وقوتها وقدرتها على تحقيق الغايات السامية للحكم الرشيد، وهي بناء وطن حر لمواطنين أحرار من كل القيود والمعوقات والموانع والمشاكل والصراعات والأزمات والإكراهات. ونحن نحتفل بالذكرى الخامسة عشرة لجلوس جلالة الملك على عرش المملكة المغربية، نستحضر الإنجازات الكبرى التي حققها المغرب في هذا العهد، وفي المقدمة ، ترسيخ قواعد الدولة الحديثة التي تكون فيها السيادة للقانون، والهيمنة على الحياة السياسية للدستور، ويكون فيها القرار الوطني في يد الشعب من خلال المؤسسات المنتخبة المعبرة عن الإرادة الوطنية التي لا تُتجاوز أو تنتهك أو يمس بها. فجلالة الملك محمد السادس هو القائد الأعلى لهذه المسيرة الوطنية المتلاحمة التي تدفع بالمغرب إلى آفاق العصر، وتمهد أمامه السبل لبناء المستقبل الآمن المزدهر. إن عيد العرش مناسبة وطنية لاستحضار هذه المعاني العميقة، وللتأكيد على أن قوة الدولة المغربية في قوة التلاحم بين العرش والشعب.