لخص الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الواحدة والستين لثورة الملك والشعب، المرحلة الحالية التي تجتازها بلادنا على جميع المستويات، بقدر كبير من الدقة في التشخيص، والموضوعية في التحليل، والتعمق في التقييم، على نحو سلط الضوء على الأوضاع العامة في جوانبها الإقتصادية والإنمائية والاجتماعية من دون إغفال للجانب الأكثر أهمية المتعلق بالسياسات العمومية التي تنهجها الدولة على مدى الخمس عشرة سنة الماضية. وبذلك جاء هذا الخطاب صريحاً، ووافياً بالقصد، ومستجيبا لطموح الشعب المغربي، ومعبراً عن إرادته. إنه خطاب المكاشفة والمصارحة والتعامل الواقعي مع الوضع العام من منطلق الإحساس العميق بالمسؤولية والتقدير الوافي لمتطلبات المرحلة الحالية ولمطالب الشعب في التقدم والإزدهار والحياة الكريمة في وطن موفور الكرامة مستقر ومشمول الأمن والأمان. فهو الخطاب »المناسب في الوقت المناسب أبرز الحقائق وكشف عن الجوانب الإيجابية في المشروع الوطني التنموي، كما كشف عن الجانب السلبي بأقوى العبارات، حين قال »لانريد مغربا يسير بسرعتين«، لأن السير بسرعتين، هو التكريس العملي للفوارق بين الطبقات إلى حدّ مذهل، مما ينطوي على مخاطر جمة لو تفاقمت فإنها ستصيب جميع الطبقات بدون استثناء. لقد أظهر الخطاب الملكي الصريح القوي المغرب في صورته الحقيقية، وقدم للشعب الحقائق كما هو دون زيادة أو نقصان، فعرف المواطنون أن بلادهم تسير في الاتجاه الصحيح، من حيث تطبيق السياسات العمومية وتنفيذ الاستراتيجيات القطاعية ورسم الخطوط العريضة لمغرب الغد والأخذ بالاختيارات الكبرى ذات الأبعاد الواسعة التي لاتخضع للحسابات السياسية الضيقة، مؤكداً بذلك أن المغرب يقطع مراحل النمّو بثقة واقتناع ويقين، وأن قاطرة التنمية تسير في الاتجاه الصحيح متجاوزة مرحلة النمو إلى مرحلة الصعود إلى الأعلى والأرفع والأكثر استجابة للمطالب الشعبية المحقة. إن الانتقال من مرحلة النمو البطيء والمتعثر أحياناً والمرتبك والمتردد، إلى مرحلة الصعود المتواصل للحاق بالدول الصاعدة، هو الشرط الضروري لضمان الاستقرار وللوصول إلى الوضع ا لطبيعي الذي يتلاءم وينسجم مع طبيعة المغرب ذي الموارد البشرية والرأسمال غير المادي والمؤهلات العليا التي تخوّل له أن يكون في الموقع الذي ينبغي، بل يتوجَّب حتماً أن يكون فيه بين أمم العالم. إن الدول الصاعدة تتجاوز الدول النامية بمراحل عديدة، لأن الصعود هو المرحلة الأكثر تقدماً في مضمار التقدم. ولذلك حرص الخطاب الملكي على أن يوضح للشعب، وللعالم أجمع، أن المغرب أصبح من الدول الصاعدة المندمجة في تيارات التقدم الإنساني على جميع الأصعدة. وإذا كان الإعلان عن هذا الوضع المتقدم يبعث الفخر والاعتزاز، فإنه من جهة أخرى يحفزنا إلى بذل المزيد من الجهود على جميع المستويات للحفاظ على هذا المستوى من النمو المتصاعد ومن الصعود المتنامي، في بيئة اقليمية جد مضطربة، وفي محيط عالمي محفوف بالمخاطر التي تهدد الأمن والسلم الدوليين. وينبغي النظر إلى هذا الخطاب من زاوية أوسع تتجاوز المحيط الوطني إلى المحيط الإقليمي والعربي الإسلامي، حتى نضع الأمور في نصابها، ونتعرف على الحقائق على الأرض ونقدرها حق قدرها. إن المغرب هو البلد الوحيد في هذا الإقليم الذي وصل إلى مرحلة الدول الصاعدة، وهو إلى ذلك البلد الأكثر أمنا واستقرارا على الصعيد العربي، وعلى مستوى العالم الإسلامي برمته. وتلك هي القيمة المضافة لثورة الملك والشعب، المتواصلة منذ إحدى وستين سنة. وهو الأمر الذي نخلص منه إلى التأكيد على أن التحدي الراهن الذي يواجه المغرب هو الحفاظ على الانتقال المأمون المستقر المطَّرد من مرحلة النمو إلى مرحلة الصعود الحثيث نحو القمة. وليس ذلك بالمتعسر أو المستحيل، لأن شعبنا طموح إلى المجد، ولأن وطننا يغذ السير إلى الأمام، ولأن العرش هو القائد لهذه المعركة الحضارية الجديدة. إن هذا التلازم بين التقدم في مجالات التنمية الشاملة المستدامة، وبين النهوض بالمواطنين نهوضا شاملا، هو الضمان لاستمرار الاستقرار، وللحفاظ على متانة النسيج الوطني، وللنأي بالبلاد بعيداً عن مزالق الاهتزاز ومهاوي الارتداد ومستنقعات الفوضى التي تغذيها قوى دولية طامعة تتربص بالدول النامية الصاعدة الدوائر.. ولقد جاء الخطاب الملكي ليؤكد هذا التلازم، وليقوي فينا الأمل في غد أكثر استقراراً وأوفر ازدهاراً.