لن ينكر احد أن جل المغاربة، خاصة منهم "الدراويش"، كانوا على الموعد للإجابة خلال الإحصاء العام للسكان والسكنى ، الذي اوشك على ختم جولاته في 20 من الشهر الجاري ، على العديد من الاسئلة "الحميمية" تضمنتها استمارات هادئة الالوان منسقة المونتاج، قيل أن إعدادها تم وفق المعايير الدولية، وتستجيب في مجملها لتوصيات لجنة الإحصاء التابعة للأمم المتحدة ، وتضم في المجمل كل الأسئلة التي تطرح عادة في مثل هذه الإحصاءات على الصعيد الدولي، حول البنية والسلوك الديموغرافي للمغاربة وظروف السكن من حيث الجودة والتجهيزات المستعملة، كما تتطرق هذه الاستمارات الى استفسارات تخص التربية والتعليم واللغات الوطنية والجانب الصحي للفرد والنقل، و اسئلة اخرى مستجدة شملت التكوين والمهارات، وكذا اسئلة تخص التشغيل والنشاط الاقتصادي، وهنا يكمن بيت القصيد الذي يصح معه القول ان كنت في المغرب فلا تستغرب. جاء في الاستمارة رقم 5 تبويب النشاط الاقتصادي وبالضبط خانة تحديد نوع النشاط سؤالا خصص للبالغين 7 سنوات فأكثر يقول: هل زاولت عملا مدة ساعة على الاقل خلال 7 ايام السابقة؟ و تنص الاستمارة انه اذا كان الجواب هو نعم، على باحث الاحصاء ان يكتب في الخانة اسفله لفظ: (نم ) وهو تصغير لكلمتي: نشيط مشتغل، بالصدفة فعلا يأتي لفظ ال(نم) متناسقا تماما لكلمة نستحيي ذكر معناها، يتفوه بها المغاربة ساعة الغضب والهيجان تعبيرا عن وضع مزري أو طارئ لا يحسدون عليه، كقول" عيت ما ندوز في الكونكورات ما كاين لا خدمة لا نم.. طبعا حسب تشكيل اللفظ فإن شددنا أوله سقطنا في المعنى السالف ذكره، وإن فتحنا أوله دون تشديد سقطنا فيما معناه وبصفة الأمر: نم ولا تستيقظ فما فاز إلا النوموا، فيقال لكل العاطلين ولأغلبية الشغيلة المغربية المهضومة حقوقهم : سيرو نعسو على جنب الراحة حتى انلاقو ليكم الحل وانفيقوكم. اذا كان لفظ (نم) عكس فعلا واقع الحال للأغلبية الساحقة للمغاربة، ونطق بلسان حالهم وأنصف لفظا ومعنى وضعيتهم التي لن يعكسها حتما احصاء 2014، فإن الاستمارة المعدة وفق المعايير الدولية كما تصفها مندوبية السيد الحليمي، وضعت صفة نشيط مشتغل في الترتيب الاول للأفراد النافعين، أي على رأس القائمة في خانة نوع النشاط، بمعنى وحسب السؤال فإن الفرد الذي اشتغل ساعة واحدة في 7 ايام التي سبقت يوم مرور باحث الاحصاء، أي اشتغل ساعة واحدة خلال 168 ساعة، يعتبر شخصا مشتغلا والأكثر من ذلك نشيطا، بل صنفته الاستمارة في درجة متقدمة جدا عن الملاك( الذي احتل الرتبة الخامسة بعد المتقاعد) وهو الشخص الذي يملك العقارات، وهلم جرا ممن لا يسألون من اين لك هذا؟، لم لا و رئيس الحكومة قد اعطاهم صك الغفران الإلهي و ادخلهم تحث مظلة ان الله غفور رحيم، تحميهم حر الحساب و شفرة السراط. ترى كيف يفسر لنا السيد الحليمي كواحد من خيرة اساتذة الاقتصاد في المغرب هذه المفارقة الغريبة، فإذا كان الفرد الذي يشتغل ساعة في الاسبوع حتى ولو كانت هذه الساعة الوحيدة خلال الشهر او السنة يصنفه الاحصاء نشيطا، فكيف نصنف الفرد الذي اعتبرته المندوبية السامية للتخطيط عاطل رقم 2 ، وهو الشخص الذي لا يشتغل البتة او لا يتوفر على وظيفة، اكيد يستحق الاتفاق على انه ميت كلينيكيا حسب نفس القاعدة ، بهذا يمكن للمندوبية ان تحقق مبتغاها وتخفض نسبة البطالة في المغرب الى درجة تحث الصفر، ولن تكون هذه النسبة غريبة طالما الحكومة المنتخبة تحرص بنزاهة سياسة الانزال هته، بنقل الأفراد بل الارقام من سلة المعطلين الى سلة النشيطين ، وطبعا مقياس الفرز هو ساعة شغل ولو مرة في العمر، أي عقل سليم يقبل هذا المنطق الغريب..؟ فهل نحن امام قاعدة علمية جديدة لقياس نسبة النماء داخل بلدان العالم الثالث، أم أن الامر يتعلق بمقلب لا نستطيع تحديد حسن النية منه، مدسوس ضمن استمارات المندوبية، ودائما وفقا للمعايير الدولية كي نعطي للمقلب مصداقية تجعله سريع البلع دون عناء المضغ، الهدف منه خفض نسبة البطالة في المغرب ، فتطرب الحكومة بتبجح: "قولو العام زين" استعدادا لاستحقاقات وشيكة، خالقة طبقة شغيلة شبح، لكن هذه المرة دون ان يستفيد المستجوبون او المحصيين من اجور تصرف لهم، فهم ليسوا في حاجة لها لأن الأجر الذي تقاضوه عن ساعة عمل في سبعة ايام يكفيهم السنة بكاملها، ومن يدري الى أي مدى قد تتوغل لعبة الارقام هته، وأتمنى ان أكون خاطئة الف مرة قبل تهيم بي مخيلتي فأرى اجور الشغيلة الشبح تحدث ثقبا صغيرا في صندوق الخزينة العامة، وانصت الى رنين الدريهمات اللعينة تسقط تباعا في مغارة قراصنة الثروة. كما أن خفض نسبة البطالة من شأنه أيضا أن يزكي طلبيات القروض الخارجية للمغرب، حتى يغدق عليه الصندوق النقد الدولي بأغلفة مالية يؤدي فواتيرها دافعي الضرائب، طالما مؤشر البطالة المفبرك يوحي بنماء ورخاء واقتصاد مغرب يغطي حاجيات موارده البشرية ضامنا لهم الحق في العيش الكريم، فهل يحاول احد ما غشنا باستمارات احصاء قيل انها اعدت وفقا لمعايير دولية؟