لا يمكن أن نلوم القضاء في شأن الأحكام القاسية جدا التي صدرت ضد تسعة شباب من خيرة شباب هذه الأمة من المعطلين الحاملين للشهادات العليا ، فالقضاء نظر و حسم في ملف كان معروضا عليه و استند في إصدار الأحكام على وثائق الاتهام و على ما راج أمامه من وقائع ، و سندير ظهورنا عما كل ما قيل و يقال بأن هذه الأحكام سياسية و أنها جارت إرادة الحزب الذي ينتمي إليه وزير العدل و الحريات و الراغبة في الضرب بيد من حديد على هؤلاء المعطلين الذين تجرأوا و اعترضوا سبيل رئيس الحزب / رئيس الحكومة و رفعوا ضده شعارات منددة به و بحزبه و تجرؤوا أكثر و هتفوا بسقوط حكومة نقض وزراء حزبها الأغلبي تعهداتهم و التزاماتهم، لن ننتبه لكل هذا الكلام. الملف في أساسه اجتماعي و سياسي ، اجتماعي لأنه يرتبط بقضية التشغيل، فهناك آلاف من الشباب خريجي الجامعات و المعاهد العليا وجدوا أنفسهم عرضة للشارع و البطالة بعد تخرجهم، وهم ليسوا مسؤولين عن هذا المصير القاتم لأنهم في نهاية المطاف منتوج منظومة تعليم معاقة تنتج ما لا يفيد البلاد في شيء، ومن الحيف الكبير أن نلخص الأزمة في الشباب خريج مسار تعليمي كثير الاعوجاج والتشوه، بل لا بد من أن يتحمل المجتمع برمته مسؤولية هذه الإعاقة، لا ندري ما إذا كان السيد رئيس الحكومة يعلم أن آلاف العائلات الفقيرة والمعوزة ضحت بكل ما تملك، اقتطعت من أجسادها لتوفير الحد الأدنى من ضمانات نجاح فلذات أكبادها في التعليم وحصولهم على شهادات عليا، ولم تطلب هذه العائلات شيئا من الدولة، بل صرفت على الأبناء في التعليم وفي الصحة وفي السكن وفي اللباس وهي تحلم بأن يحصل الإبن أو البنت على شهادة عليا تضمن له الحصول على شغل و بالتالي الإطمئنان على مستقبلهم ، لا ندري حقيقة إذا ما كان رئيس الحكومة يعلم أنه لا يوجد أب ولا توجد أم في الدنيا لا يحلمان بأن يكون الأبناء أحسن منهما مصيرا. لذلك فالإشكال اجتماعي من ناحية وكان على الحكومة أن تدرك هذه الحقيقة جيدا وعلى هذا الإدراك كان عليها أن ترتب النتائج. وأنه ملف سياسي، لأنه أمام إنغلاق المنافذ بين التعليم و التكوين كان لابد من إيجاد حل ظرفي في انتظار توفير الحلول الجذرية التي نتفق على أنها لايمكن إيجادها بين عشية و ضحاها ، و لذلك اهتدت الحكومات السابقة إلى حل مرحلي يقضي بتخصيص جزء بسيط - على كل حال - من مناصب الشغل المتضمنة في القوانين المالية السنوية لتشغيل أعداد من المعطلين الحاملين للشهادات العليا، وكانت الأمور تسير في اتجاه سمح بحل منافذ صغيرة في الإختناق الحاصل، وللذين يردون بالقول بأن هذا الحل كان يمثل تمييزا بين العاطلين و أنه كان يمثل رضوخ الدولة لابتزاز المعطلين، وهذا الكلام قد يكون صحيحا و لكن على الذي يقوله أن يطرح البديل، فالإدعاء بأن المباريات اليوم أصبحت مفتوحة أمام جميع المعطلين على حد سواء فيه كثير من المغالطة ، لأنه لا تزال هذه المباريات محكومة بالسرية و المحسوبية و الإرتشاء، وبالتالي فإن الذي حدث هو أن حتى تلك الأعداد المحدودة من المناصب التي كانت تخصص للمعطلين من حملة الشهادات المعطلين أدرجت في منظومة المباريات الفاسدة والمتعفنة. السيد رئيس الحكومة أخل بالتزام حكومي واضح حينما رفض بعناد تنفيذ محضر 20 يوليوز وزاد الوضع تعقيدا و تصرف في هذا الإطار بمنسوب عالي جدا من الجهالة القانونية و الأخلاقية وأشر بذلك على إرادته في التصعيد، ورجاء لا يرد أحد علينا في هذا السياق بوجود حكم استئنافي لأننا سنثير شبهات كثيرة في هذا الصدد سواء من خلال الفرق بين حكم ابتدائي و آخر استئنافي أو من خلال الإنتقام الواضح من القاضي الذي أصدر الحكم الابتدائي. ومن الشفقة على الأداء الأخلاقي في العمل السياسي أن تتعمد بعض الجهات المحسوبة على الحزب الأغلبي إثارة وضعية نجلة رئيس الحكومة العاطلة في نفس الإبان التي تصدر فيه الأحكام القاسية جدا ضد تسعة شباب وإغلاق الزنازن الحديدية عليهم و الهدف من ذلك واضح جدا و نكفي بالقول في هذا الصدد إن نجلة بنكيران العاطلة لها أب يشغل منصب رئيس حكومة و له بذلك من الإمكانيات ما يضمن لها عيشا كريما و هي على كل حال ليست حالة مآت الآلاف بل والملايين من أبناء هذا الشعب الذين لا يجدون ما يحتسون به كأس شاي أو قهوة كل يوم. إنه ملف سياسي حرصت الحكومة بقوة على تصفيته بشتى وسائل العنف اللفظي و الجسدي ثم بالسجن لتمارس الترهيب ضد كل من سولت له نفسه الاحتجاج لإثارة الانتباه إلى وضعية عطالته. وأخيرا نذكر بأنهم نفس المعطلين الذين كانوا يحتجون في عهد الحكومات السابقة، وكان قادة حزب العدالة والتنمية يستثمرون مآسيهم في إطار حسابات سياسوية ضيقة و صرفة، هل نذكر بنكيران بالعناوين العريضة التي كانت تنشر على صدر الصفحة الأولى من جريدة «التجديد«؟ هل نذكره بالزيارات التضامنية التي كان يقوم بها إخوانه في قيادة الحزب لهؤلاء المعطلين؟ هل نذكره بالصورة الشهيرة للأستاذ الرميد وهو يتدخل بقوة لمنع رجال القوات المساعدة من ضرب المعطلين؟ والآن نفس الشخص يطلق يد الضابطة القضائية وقوات الأمن لتكسير عظام نفس المعطلين لا لشيء إلا أن الرجل كان في الأمس في المعارضة وأصبح اليوم وزيرا. طبعا فليذهب المعطلون إلى الجحيم وليس إلى السجن فقط ، فحزب العدالة والتنمية في الحكم وكثير من قادته أصبحوا رجال ونساء دولة، ومن الطبيعي لديهم أن تتغير المواقف و يعيدون تشكيل القناعات؟