يتعمد المسؤولون المغاربة الإساءة لأحد أهم مكونات الهوية الوطنية ويصرون على دوس الدستور، ويحرصون على إهانة المغاربة، حينما يطلقون العنان لألسنتهم ولأقلامهم للحديث والكتابة بلغة أجنبية، بما يحقق إهانة فعلية للغتين العربية والأمازيغية باعتبارهما لغتي المغاربة المنصوص عليهما في الدستور. ما اقترفه الكاتب العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي خلال ندوة نظمت قبل أيام بالرباط يقدم نموذجا واضحا بمسؤول سامي في وزارة يقال والله أعلم إنها مشرفة على تكريس ثوابت الأمة وقيمها في مؤسسات التعليم العالي، فلسان الرجل لم يطاوعه في الحديث بلغتي الدستور، واحتمى بلغة أجنبية منصوص عليها في دستور بلد أجنبي، والمضحك بل المثير للشفقة أن سفير روسيا الذي كان إلى جانب الرجل الثاني أو الثالث (حسب عدد الوزراء في هذا القطاع) تحدث بلغة عربية فصحى لم يتمكن الآخر من بعض أجزائها. طبعا، لن يبحث الوزيران المشرفان على هذا القطاع فيما حدث وترتيب المسؤولية. فمن لا يتقن لغتي بلده وشعبه لا يستحق أن يكون مسؤولا عنهما، ومن لا يحترم ثوابت هذه الأمة وقيمها ويتعمد دوسها ويصر على إهانة وطن يصير من العيب ومن الخلل أن يكون هذا الشخص مسؤولا في قطاع عام، أكان وزيرا أو أقل، وما اقترفه الكاتب العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي يمثل نموذجا صارخا لما نحن بصدد الحديث عنه. اللغة ليست وسيلة كما يحاول الضعاف إيهامنا، وسيلة لإيصال الرسالة وللتواصل فقط، إنها ليست قناة للصرف، ولا جسرا للمرور عليه، إن اللغة هوية قبل كل شيء بمشارب متعددة ومكونات مختلفة، والنطق بها هو تعبير عن هذه الهوية. اللغة قيمة من قيم الإنسية لدى الفرد، وهو حينما ينطق بها، فإنه يبدع بها في الفن كما في التعبير وغيرها، ومن لا يقدر أن ينطق بلغته فإنه مسلوب من كل هذه الميزات، وأنه مجرد حمال لحطب الآخرين، وأنه فعلا مجرد أداة لصرف فضلات الآخرين.. وأمثال هؤلاء قبل أن نقول بأنهم لا يشرفوننا أن يكونوا منا فإننا نقول بأنه لا يشرفنا أن نكون منهم.