ستبرر الحكومة تراجع معدل النمو لهذه السنة بالشح الكبير الذي عرفه الموسم الفلاحي من الأمطار هذه السنة. ولن تجد الحكومة أسهل من اتهام الأمطار باقتراف جريمة تراجع معدل النمو الذي أكد وزيرها ذو اللسان الطويل في غير مامرة أنه سيكون مرتفعا، وما أن شكك المندوب السامي في الأمر حتى طاله الأذى من هذا الوزير المؤذي. الحكومة حينما تبادر باتهام الأمطار تعتقد أنها ترفع الحرج عن نفسها، وأنها بذلك تحتمي وراء عوامل طبيعية بل وميتافيزيقية. في السنة الفارطة حينما حققت البلاد معدل نمو مرتفع حرصت الحكومة على الاعتزاز بما اعتبرته انتصارا في هذا الصدد من خلال القول إن اختياراتها الاقتصادية هي التي أفضت إلى إحداث تقويم في البنية الإقتصادية، وبالتالي انتهى الأمر بتحسن كبير في المؤشرات الاقتصادية. لكنها حينما تلبس تهمة تراجع تحسن أحد أهم المؤشرات الإقتصادية هذه السنة، فإنها تؤكد فعلا وبالملموس بأن تحسن معدل النمو في السنة الفارطة لم يحصل بسبب قوة ومصداقية اختياراتها الإقتصادية من قبيل إصلاح نظام المقاصة وغيرها، ولا أنه تحقق بفضل تطوير البنية الاقتصادية الوطنية، بل تحقق بسبب كمية الأمطار التي تهاطلت على بلادنا وانتظام هطولها في الموسم الفلاحي السابق، والدليل أنه في هذه السنة التي عرفت نقصا مهما في كمية الأمطار عاد معدل النمو إلى التراجع، وأن الاختيارات الحكومية في المجال الاقتصادي لم تكن لها القوة لإنقاذ معدل النمو من مخالب التراجع الكبير. وأن قوة هذه الاختيارات موجودة فقط في الأوراق التي يحملها الوزراء المشرفون إلى رئيس الحكومة الذي لا يملك إلا أن يصدقها ويستعملها. تحسين معدل النمو يا سادة يتحقق نتيجة اختيارات اقتصادية فاعلة تترجم في سياسة عمومية واضحة المعالم، ومشكلتنا في المغرب أننا لم ننجح بما يكفي في تنويع البنية الاقتصادية، الانتاجية الوطنية، إذ لا يزال القطاع الفلاحي يقبض برقبة الاقتصاد، وهو قطاع غير منظم في غالبيته، لذلك حينما تنقص كميات الأمطار يلقى بمعدل النمو إلى الوراء. بيد أن قطاعات أخرى من قبيل الصناعة والتجارة والسياحة والخدمات وغيرها كثير لم تسمح لها السياسات الحكومية المتتالية بأن تكون لها تأثيرات كبيرة في تحسين المؤشرات الاقتصادية .