لا ندري ما إذا كان بعض الوزراء يدركون حجم خطورة ما يصدر عنهم من تصريحات غير محسوبة ؟ قد يكون من حق الفاعل السياسي أن تكون له وجهات نظر، و مواقف تجاه مجمل القضايا خصوصا التي تهم تدبير الشأن العام . لكن أن يصل الحد بأحد الوزراء ممن اشتهروا باللسان الطويل إلى شن هجوم على مؤسسة دستورية في حجم المجلس الأعلى للحسابات فإنه بذلك ينافس بقوة الجهات الحريصة على تتفيه العمل السياسي و احتقار المؤسسات الدستورية. المجلس الأعلى للحسابات مؤسسة قضائية دستورية تقوم بدور الشرطي في حماية المال العام ، و لن تنتظر رضى جهة معينة للقيام بدورها الدستوري ، و لا أداء هذا الدور يتوقف على مزاج زيد أو عمر مهما كانت طبيعتهما، و طينتهما و مناصبهما . و هو بمنطق المتن الدستوري مؤسسة تتميز بالطابع السيادي . لذلك كان واجبا على من يفتح فاهه باستمرار للإساءة إلى كل شيء لا يخدم قراءته المتفردة أن يدير لسانه ألف مرة قبل أن ينطق بكلمة في هذا الصدد . إن الأستاذ ادريس جطو قدم تقرير المجلس أمام البرلمان كما ينص على ذلك الدستور المغربي ، و من حيث المبدأ فإن للحكومة أغلبيتها في هذا البرلمان ، و كانت الفرصة أمامها للتدخل في إطار مناقشة هذا التقرير ، و هذا ما تم فعلا بما يكرس الخيار الديمقراطي في معالجة القضايا الكبرى . و كان هذا كافيا و مستوفيا للغرض . لكن الذي حدث و يكتسي خطورة بالغة أن وزيرا من الوزراء المشهورين لم يشف غليله من تدخل ممثل الأغلبية في المناقشة ، و سارع إلى حمل رشاش بين يديه يطلق به النار على جسد المجلس الأعلى للحسابات في تصرف طائش مسيء للمؤسسة الدستورية التي يقع الرهان على تقوية أدوارها و وظائفها بما يمكن من تحصين المال العام و تثبيت منهجية المحاسبة الفعالة تجاه كل من أساء إلى هذا المال . و هو تصرف كنا نخال أن الحكومة أكثر الجهات حرصا على محاربته و مناهضته . خاطىء من يعتقد أن تتفيه أدوار المؤسسات الدستورية سيقوي دوره بعدما يضعف أدوارها ، بل بالعكس إن هذا المسعى يندرج في اتجاه تدمير مقومات الدولة الحديثة . كفانا من العبث مع عابثين لا يقدرون حجم و خطورة العبث الذي يقترفونه!!