بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الخميس على وقع الأخضر    الادعاء الإسباني يدعو إلى إغلاق التحقيق في حق زوجة رئيس الوزراء    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    الوزير جازولي يدعو المستثمرين الألمان إلى اغتنام الفرص التي يتيحها المغرب    الحكومة تقر بفشل سياسية استيراد أضاحي العيد    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    الاتحاد الجزائري يعلن شرطه الوحيد لمواجهة نهضة بركان!    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    "اتصالات المغرب".. عدد الزبناء ديالها فات 77 مليون بزيادة وصلات ل2,7 فالمية    تراجع حركة المسافرين بمطار الحسيمة خلال شهر مارس الماضي    بعد خسارته ب 10 دون مقابل.. المنتخب الجزائري لكرة اليد يعلن انسحابه من البطولة العربية    واش هادشي غايأثر على شراكة اسبانيا والمغرب والبرتغال فمونديال 2030.. الحكومة فالصبليون دارت الوصاية على الاتحاد الإسباني بسبب الفساد وخايفين من خرق لقوانين الفيفا    البحرية الملكية تنقذ مرشحين للهجرة السرية    الزيادة العامة بالأجور تستثني الأطباء والأساتذة ومصدر حكومي يكشف الأسباب    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    المغرب يستنكر اقتحام باحات المسجد الأقصى    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحراء الشرقية النخلة التي تحجب واحات المجابهة بين المغرب و الجزائر
نشر في عالم برس يوم 05 - 10 - 2009

حتى نفهم جانبا آخر من الصراع المغربي الجزائري، ينبغي أن نقف ولو لحظة قصيرة أمام خارطة الجزائر المستقلة سنة 1962، لنرى كيف أن بطنها منتفخ بشكل غير طبيعي وممتلئ بأراضي وقبائل وشعوب الجيران التي اقتطعت وانتزعت بالقوة من طرف الاستعمار الفرنسي المتواجد في منطقة شمال إفريقيا منذ 1830، فهذه الأراضي و هذه القبائل هي عبارة عن ألغام موقوتة خلفها المعمر الفرنسي كي تنفجر تباعا متى شاء ووقت ما أراد سواء في شرق أو غرب أو جنوب الصحراء الكبرى
فالحدود المغربية الجزائرية عرفت في الماضي عدة مراحل في ترسيمها وتحديدها، فالجزائر حتى تضمن تماسكها الداخلي، حاولت مرارا وتكرارا افتعال مشاكل أخرى جانبية وثانوية للتغطية على المشكل الأساس و المركزي و اعني بذلك الصحراء الشرقية المنطقة الممتدة من ولاية بشار إلى تيميمون، فالحكام الجزائريون كانوا يخافون أن يسترجع المغرب صحرائه الغربية وبعد ذلك يتفرغ لصحرائه الشرقية، التي هي الأخرى تعتبر دائما امتدادا تاريخيا و طبيعيا للمملكة المغربية، ففرنسا التي استعمرت الجزائر مند 1830 أنشأت نظام الحماية على المملكة المغربية سنة 1912 مباشرة بعد انتصارها على المغاربة في حرب إيسلي سنة 1844 فنتائج الحرب كانت كارثية على وحدة المغرب و مناسبة لفرنسا المنتصرة لاتخاذ إجراءات عسكرية لتغيير معالم الحدود المغربية بدعوى محاربة التهريب و القضاء على التمرد المنطلق من الأراضي المغربية ولفائدة مقاطعة الجزائر الفرنسية و هكذا اقتطعت من المغرب مدن وقرى بأكملها كتلمسان و ڭورارة و سيدي كلت و كلوم بشار و تندوف إضافة إلى منطقة توات التابعة آنذاك للمغرب والتي هي تعتبر في جميع المخطوطات التاريخية و الانثروبولوجية إلا امتدادا جغرافيا و سياسيا و قبليا لمنطقة تافيلالت المغربية وقد تناولها العديد من المؤرخين العرب كالإدريسي وحسن الوزان ، وابن خلدون و الزياني، كما تكلمت عنها الصحافية الفرنسية التي عاشت في موريتانيا ما بين 1919 إلى 1962 أوديت بيكودو ، حيث اعتبرت المنطقة ولايات مغربية، بدليل أن السكان كانوا يؤدون الضرائب باسم السلطان وان صلاة الجمعة والأحكام القضائية تنطق باسمه ويصومون مع المغاربة، وللعلم ففي كل الدول، الضريبة تدفع إلى السلطة الحاكمة للإقليم الموجود تحت سيادتها الشرعية والقانونية ،فالفرنسيون في الجزائر لم يحددوا بصفة نهائية الحدود الممتدة بين فجيج الى عين صالح، أي حدود الصحراء الشرقية،كما كان الشأن في اتفاقية للامغنية التي رسمت حدود البلدين من السعيدية الى فجيج، تاركين وضع هذه الحدود المغربية الجزائرية غامضا وذلك لنية في نفس يعقوب، ففي رسالة صادرة بتاريخ 6 يناير1886 عن الوزير الفرنسي للخارجية دوكليرك إلى زميله وزير الداخلية أرمان فاليير حيث تعرض فيها إلى الحدود بين الجزائر الفرنسية والمغرب المستقل آنذاك أي مسمى بالإمبراطورية الشريفة، قائلا :" إن الحكومة الفرنسية من مصلحتها الاعتماد على النظرية المعروفة التي تتمثل في أن أفضل الحدود هي الحدود الغير المحددة مع جيران الجزائر الفرنسية (النزاع الليبي الجزائري التونسي حول المياه الجوفية للصحراء لازال قائما و لازالت اللجنة الثلاثية متعثرة في إيجاد حل متفق عليه بين البلدان الثلاث)".
إن هذه النظرية منحت لفرنسا الاستعمارية امتيازا مزدوجا ، الأول يتمثل في اجتناب مشاكل السيادة مع الجيران، و الثاني مهد لها إقامة قواعد محتملة للتوسع الفرنسي في اتجاه المغرب و ليبيا وتونس و دول الساحل، فالمعطيات الجغرافية لمنطقة توات مثلا تؤكد أنها محددة في الشمال من طرف تديمايت وموازية لوادي الصاورة، فهي منطقة تتكون من العديد من الواحات و القصور(قرى صغيرة)، أهمها واحة اتوات وواحة تيدي كلت ، وواحة ڭورارة وواحة عين صالح وواحة اليزي و قصر تيميمون وواحة المطارفة ، وواحة انتيمي ،وواحة بندا، وواحة عين الغار. إنها منطقة ممتدة على مسافة تقدر ب 250 كلم طولا، حيث تخترقها العديد من الوديان القادمة من المغرب كوادي غيير ووادي زوزفان. فهذه الواحات تتوفر على مياه جوفية كبيرة تغذي منطقة الصاورة بأكملها ، لهذا السبب فكر سكان اتوات و الصاورة و منذ القدم في طرق عملية تقليدية لاستغلالها، مما مكنهم من البقاء و التحضر و زرع أراضي قاحلة، و كما جاء في التاريخ فان القبائل المغربية الأصل عاشت من خلال الزراعة و تربية المواشي. هذا الرخاء و الاستقرار توفر بسبب غنى الصحراء الشرقية بالمياه الجوفية و المعادن المختلفة كالفحم الحجري في القنادسة و الصفاية و في كسيكسو و الغزاريف، أما المنغنيز والرصاص فهما موجودان في جبل ڭطارة، والحديد فنجده في غار الجبيلات .
إن هذه الواحات تكون في الوقت الحاضر منطقة الصاورة و عاصمتها بشار و تمتد إلى ولاية تندوف، فالأرشيفان العثماني و الفرنسي، المنشوران مؤخرا في اسطنبول ( 52 مليون وثيقة التي يمكن ترتيبها الواحدة بعد الأخرى على مسافة 16 كلم) يؤكدان أن السيطرة التركية لم تصل بتاتا إلى هاته الواحات بالرغم من محاولات العثمانيين العسكرية المتكررة التي قام بها البايات و الدايات و الأغاوات المتمركزين في مدن شمال الجزائر. كل الصحراء الشرقية الجزائرية كانت تحت الحماية والسيادة المغربية، فالمخزن المغربي (الإدارة المغربية) حسب الوثائق العثمانية، كان حاضرا وبقوة في المنطقة منذ الإمبراطورية الادريسية، أما سكانها فهم في أغلبيتهم منحدرون من قبائل معقيل و بني هلال والزناتيين و التوارق، واولاد أشبل، وهذه الأخيرة هي فرع من قبيلة أولاد ادليم القبيلة الصحراوية المغربية. لقد نجحت هذه القبائل في الفلاحة و التجارة و في تربية المواشي فكانت قوافلهم تتبضع في تلمسان ووهران و فاس و مراكش و تومبوكتو . أما منتجاتهم الأساسية فكانت الثمور و القمح و الصوف و الغنم و الزرابي و الجلود ، فعندما دخلت فرنسا إلى الجزائر، أرسل المغرب وحدات عسكرية لقطع الطريق أمام المعمرين الفرنسيين الزاحفين على الواحات المكونة للصحراء الشرقية، التابعة حاليا للجزائر نظرا لاختلال ميزان القوى و خيانة البعض.
أما إذا عدنا إلى الأسس و الروابط التاريخية بين الإمبراطوريات المغربية المختلفة و القنادسة و اتوات و الصاورة، فإننا نعثر على العديد من العلاقات بين هذه المنطقة و المغرب و ذلك منذ ملوك البربر ، فالوثائق القديمة تتحدث عن واحة اتوات كمركز تابع لموريتانيا (مصطلح قديم يعني المغرب و جمهورية موريتانيا الإسلامية )، و لم تكن لها بتاتا أي علاقة مع نوميديا (الجزائر). فلقد قام الشريف الإدريسي مولاي سليمان في منتصف القرن الثاني عشر الهجري بإنشاء العديد من القصور، أهمها قصر أولاد أوشن، حيث دفن فيه و أصبح ضريحه يزار إلى الآن، أما المرابطون و الموحدون فقد نشروا فيها عقيدتهم و ثقافتهم و اقتصادهم وحتى سلوكهم المغربي، حتى أصبحت جهة اتوات نقطة ارتكاز و انطلاق لهاته الإمبراطوريات نحو السودان و إفريقيا السوداء، أما المرينيون فقد أتوا بنظام إداري و اقتصادي نظم المنطقة و دعم روابطها بمدن فاس ومراكش كمراكز موجودة في المغرب، أما احمد المنصور السعدي، ملك الإمبراطورية السعدية، فقد عين سنة 1590 الحاج جدور باشا على تومبوكتو و قواد على اتوات و لقنادسة . أما الإمبراطورية العلوية الشريفة، فقد استمرت ولايتها على المنطقة إلى غاية دخول الاستعمار الفرنسي سنة 1830. و في هذا السياق، لا ننسى دور الزوايا في الصحراء الشرقية الذي كان هو الآخر أساسيا و جوهريا، فشرفاء وزان كان لهم ممثلون محليون لجمع الهدية في المنطقة و ذلك لحساب الزاوية القادرية بفاس، كما أسست بالصحراء الشرقية زاوية البكرية نسبة لمؤسسها المغربي محمد البكري (1618) كما أقامت الزاوية الشادلية مراكز مهمة لها في تندوف وبني ونيف و الكرارزة، فالزوايا المغربية لعبت دورا دينيا و سياسيا مهما و استراتيجيا في الصحراء الشرقية سواء في نشر تعاليم الإسلام في إفريقيا السوداء أو في الدفاع عن المنطقة ضد الدخلاء و الصليبيين. فكانت مدن و مدارس تارودانت و مراكش و فاس في المغرب هي قبلة التلاميذ القادمين من الصحراء الشرقية و حتى من إفريقيا السوداء، ولاستحضار التاريخ الدبلوماسي للصحراء الشرقية، يؤكد المؤرخون أن مرحلة حكم العثمانيين للجزائر لم تهتم بالصحراء بصفة عامة، نظرا لانشغالهم بالحروب المتعددة في البحر الأبيض المتوسط، تاركة للإمبراطورية العلوية الشريفة تدبير شؤون الصحراء الكبرى سواء الشرقية أو الغربية، والتي كانت تحت نفوذها و سيادتها السياسية، وهذا ما تبث في الوثائق المفرج عنها مؤخرا في اسطنبول بتركيا و التي لم تستغل من طرف الدبلوماسية المغربية كأدلة واضحة عن روابط البيعة بين السلطان و القبائل في الصحراء الشرقية و الصحراء الغربية (الأمم المتحدة و محكمة العدل الدولية بلاهاي)، أما بعد واقعة إيسلي غشت 1844، فيمكن الإشارة إلى أن الجنرال الفرنسي دولمورسيار في الحرب الأولى الفرنسية المغربية رفع شعار" لا سلم على حدودنا الغربية قبل القضاء على المغرب ككيان و كدولة مستقلة " ، فهذه الحرب المشار إليها أنتجت كل عناصر الأزمة الحالية المغربية الجزائرية، فلقد أظهرت المواجهات آنذاك اختلالا كبيرا في ميزان القوى بين المغرب الذي كان موزعا بين قبائل السيبة و قبائل المخزن وفرنسا، حتى سميت تلك الحرب بالغوغاء، حرب مكنت فرنسا بقطع كل طرق التواصل بين الدولة المغربية - التي أصبحت هدفا لأطماع ألمانيا و فرنسا و اسبانيا و البرتغال- وأقاليمها في الصحراء الشرقية، وضع نتج عنه ضعف في العاصمة وفوضى عارمة في القبائل البعيدة، مشجعة من طرف الاستعمار الفرنسي بسبب غياب رموز الدولة المغربية (القواد و الباشاوات و الإدارة المخزنية)، و بما أن الشر لا يأتي وحده، فالمنطقة عرفت جفافا متواصلا لمدة طويلة طيلة سنوات متوالية مصحوبة بمرض الطاعون. كل هذه الأسباب المختلفة جعلت العديد من سكان الصحراء الشرقية، يلجؤون بالآلاف إلى المدن المغربية على الساحل الأطلسي أو مراكش، او يموتون بسبب المرض أو التهجير القسري إلى مستعمرات أخرى فرنسية ككلدونيا الجديدة و كويان بأمريكا اللاتينية، فالفرنسيون المنتصرون في واقعة إيسلي 1844 سطروا حدود المغرب ومقاطعة الجزائر الفرنسية بشكل أحادي، يناسب مصالحهم الاستعمارية التي كانت تقوم على ابدية الجزائر الفرنسية تاركين المنطقة الممتدة بين فجيج إلى عين صالح بدون ترسيم. إن ضعف الجيش المغربي وتفككه جعلا فرنسا تمتد وتتوسع نحو الشرق والجنوب الشرقي للصحراء، تمدد لم يكن بالسهل عسكريا على فرنسا، فلقد قامت حروب كبيرة مع القبائل في مدينة عين صالح، التي كان يتزعمها القايد الحاج المقري، الذي استشهد هو و أولاده في هذه المواجهات الدموية. فسقطت الصاورة تم اتوات وبعدها تيميمون، أما مدينة تندوف فقد سقطت في يد الاستعمار الفرنسي سنة 1925، حيث وجدها الجيش الفرنسي شبه فارغة من سكانها، الذين هربوا إلى المغرب الذي تم بسط الحماية عليه هو الآخر منذ سنة 1912.
فمطالب المغرب للصحراء الشرقية بدأت سنة 1953 وبصفة متكررة، فهي لم تأت من فراغ ولا بنية الهيمنة و إضعاف الجزائر المستقلة ، فكانت المنطقة تشهد مظاهرات شعبية في كل من تندوف ولعبادلة و تيميمون و عين صالح وبني ونيف و بشار و ذلك برفع الأعلام المغربية وصور السلطان محمد الخامس، منادين بالعودة والانضمام إلى المغرب البلد الأم، في المرحلة الممتدة من 1956 تاريخ استقلال جزء من المغرب إلى 1962 تاريخ استقلال الجزائر، سكت المغرب عن مطالبه على صحرائه الشرقية، حتى لا يربك ويشوش على الكفاح المسلح للإخوة في الجزائر، موقف تضامني دفع بالعديد من قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية إلى المطالبة بالسلطان محمد الخامس رحمه الله كملك واحد لمنطقة المغرب العربي بأكملها (تصريح المرحوم فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية). وهكذا تقرر تأجيل المطالبة بالصحراء الشرقية إلى ما بعد استقلال الجزائر، كما رفض محمد الخامس أي مباحثات في الموضوع مع الرئيس الفرنسي ديغول الذي كان يفاوض سرا و علنا الحكومة المؤقتة الجزائرية حول التنازلات المتبادلة بين الطرفين قبل إعلان الاستقلال، إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فمباشرة بعد استقلالها سنة 1962، قامت الدولة الجزائرية بضم الصحراء الشرقية التي انتزعت من المغرب، خارقة بذلك عهودها والتزاماتها المتضمنة في اتفاقية 6 يوليوز 1961، هذا التنكر للماضي تبعه طمس كل الرموز التي تؤكد على مغربية المنطقة من طرف الجيش الجزائري، كما قتل العديد من السكان المطالبين بمغربيتهم في المواجهات بسبب رفضهم لاستفتاء تقرير مصير الشعب الجزائري المنظم من طرف فرنسا، فالعديد من زعماء رڭيبات الشرق هربوا إلى المغرب، أما وضع تندوف حاليا، فهي خليط من قبائل الرڭيبات وقبائل الشعنبة وقبائل تجنكنت والجزائريين الذين استقدموا من الشمال للاستيطان بكثافة في الواحات الفلاحية الغنية بالمياه الجوفية، كما قامت الجزائر بتهجير عائلات بأكملها من الصحراء الشرقية إلى شمال الجزائر وخاصة تلك المعروفة بمغربيتها وزعامتها القبلية، كما أدخلت الشباب قسرا في صفوف الجيش الوطني الشعبي الجزائري ( يشكلون أغلبية جيش النينجا المؤسس من طرف الجنرال العماري)، وتعيينهم في وحدات بعيدة عن مناطقهم، قاطعين بذلك كل علاقة مع أصولهم وعائلاتهم القاطنة بوادي نون. أما تفاصيل تطور الخلاف بين المغرب والجزائر في موضوع الصحراء الشرقية، فلقد حل جزئيا في لقاء إفران سنة 1972 بين المرحومين الملك الحسن الثاني والرئيس هواري بومدين، اتفاق أبقى على الألغام مطمورة من تندوف إلى عين صالح، و بهذه المناسبة، استبشر الناس في المغرب العربي خيرا بهذا اللقاء الذي اشترط فيه المغرب أن يصادق نواب الأمة على جميع بنوده، التي ترسم الحدود بصفة نهائية بين البلدين، إضافة إلى الشراكة الاقتصادية لاستغلال المناجم الموجودة بينهما، الشيء الذي لم يحدث إلى الآن، و السبب يرجع إلى كون الجزائر فتحت جبهة أخرى ضد المغرب تتجسد في الصحراء المغربية قصد إلهائه في موضوع آخر، والواقع أن شمال إفريقيا يعرف نزاعات متداخلة و مترابطة : نزاع الصحراء الشرقية الذي انتهى جزئيا بحرب الرمال 1963 (خدعة جر إليها الجيش المغربي لخدمة أهداف أخرى) ولا زال ساكنا في العقول و الأفئدة و الملف بقي مفتوحا إلى الآن، نزاع الصحراء المغربية الذي انطلق في سنة 1975 تاريخ استرجاع المغرب للإقليم، النزاع الليبي الجزائري حول ترسيم الحدود، الخلاف التونسي الجزائري حول نفس الموضوع، و تمرد التوارق في مالي و النيجر و تشاد و دارفور، كلها نزاعات مترابطة و متشابهة .
في هذا السياق، لا ننسى نضالات سكان الصحراء الشرقية على المستوى الدولي، فلقد طرحوا مشكلتهم أمام السلطات المغربية قبل استقلال الجزائر وبعدها، كما تقدموا بطلب العودة إلى أصولهم المغربية إلى محكمة العدل الدولية التي رفضت المطلب من ناحية الشكل (الدول وحدها هي التي تطلب رأيا استشاريا من المحكمة وليس الجماعات والقبائل)، كما راسلوا الأمم المتحدة عدة مرات دون جواب، ويظهر أن الكل أراد طمس القضية التي لا زالت تتحرك في رمال ساخنة، فالنخلة لا يمكنها حجب الخلاف حول الصحراء الشرقية التي هي قلب الصراع المغربي الجزائري.
أنا لا أريد من وراء هذه النظرة التاريخية لنزاع الصحراء الشرقية نبش قبور الماضي، أو تفجير الألغام التي خلفها الاستعمار، و لا در الملح في الجروح المفتوحة بين البلدين، و لكن قصدي ونيتي وبكل نزاهة علمية، هو إظهار الحقيقة حول تنازل المغرب مبدئيا عن نصف ترابه الوطني للجزائر بدون مقابل، المقابل الذي تقدمت به الجزائر في هذا الشأن، هو فتح جبهة الصحراء المغربية و تكوين جمهورية صحراوية وهمية تطبيقا لنظرية و إستراتيجية الالتفاف الاستعمارية . فالنزاع نزاعين و الحل واحد و الشعب واحد و المنطقة واحدة، فالمغرب فضل التنازل عن اتوات و الصاورة و القنادسة عوض حرب ضروس تدوم سنين، تأتي على الأخضر و اليابس في المنطقة، و لنا في حرب الثماني سنوات بين العراق و إيران خير مثال على ذلك.
إن نزاع الصحراء المغربية له علاقات مباشرة و عضوية مع نزاع الصحراء الشرقية الجزائرية. و هذه الأخيرة، ليست غريبة عن تمرد التوارق في الصحراء الكبرى المسماة بدول الساحل : موريتانيا، النيجر، التشاد و مالي، وليست بعيدة عن التمرد في دارفور بالسودان، و بعبارة أخرى فالمنطقة الممتدة من الأطلسي إلى البحر الأحمر، المسماة بالصحراء الكبرى هي منطقة يطبعها التمرد و الانفصال و الفقر و المجاعة و التهميش، ستضاف إليها نزاعات قادمة يكون محورها الأساسي استغلال المياه الجوفية للصحراء بين شعوب و قبائل متعددة. مستقبل هش ومخيف وغامض، لا شك انه قد يفيد الإرهاب في إقامة قواعد ثابتة له في شمال إفريقيا و يعيد كذلك الاستعمار الجديد للمنطقة. ويقطع الطريق أمام كل الدخلاء، اعتقد أن الحل يكمن في تقوية نظام الجهات و آليات الحكم الذاتي الحقيقي، و نشر الديمقراطية التشاركية التي تضمن اقتسام الثروة و السلطة بين جميع مكونات الصحراء الكبرى. فالشعوب المغاربية مطالبة و باستعجال إعلان الحرب الشاملة ضد الدكتاتورية، و الفساد و العنف و الفقر و الأمية و سوء التغذية وإقامة مغرب الجهات و و و...
الجزائر تايمز / ذ.عبد الرحمن مكاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.