لايزال العقار "le Foncier " يضع إشكالا اقتصاديا كبيرا بالمغرب. عدد من الاستثمارات تجد صعوبة في ولوجه بأثمنة وأمكنة مناسبة. كما أن أسعاره وصلت لمستويات قياسية خلال العشر سنوات الأخيرة. وهي الأسعار التي لا تعكس في شيء ندرة هذه المادة ولا المستوى الاقتصادي للبلاد، مقارنة مع مستوياته في دول متقدمة. هذه الأسعار المرتفعة ساهمت بشكل كبير في ارتفاع كلفة الاستثمارات بصفة عامة وخصوصا كلفة إنتاج السكن. كما شكلت عائقا أمام تحقيق عدد من الاستثمارات الداخلية منها والخارجية. قطاع العقار كان ولايزال مجالا خصبا للريع بامتياز في المغرب. أرباح كبيرة وسهلة يتم تحقيقها في هذا المجال بعيدا عن كل مراقبة وكل مجازفة. كما أن الأبناك ساهمت بدورها في تمويل جزء هام من المضاربة في هذا المجال تحت غطاء الاستثمار، مما سمح لعدد من المنعشين العقاريين وآخرين تركيز مخزونات عقارية جد ضخمة. أما الدولة فساهمت، من خلال سن عدد من الضرائب، في تحقيق مداخيل ضريبية مهمة في هذا المجال وساهمت هي الأخرى بشكل غير مباشر في ارتفاع أسعار العقار. السؤال الذي يطرح هنا هو: ما هي الكلفة الاقتصادية لهذا الوضع ، ولماذا تتلكأ كل الأطراف المعنية بهذا المجال للتدخل لضبطه بشكل فعال وتجفيف أحد أكبر منابع الريع الاقتصادي ببلادنا؟ لحدود اليوم لا تتوفر الدولة لا على نظرة متكاملة ولا على سياسة عمومية واضحة في مجال العقار الذي يستهلك منه الاقتصاد سنويا ما يناهز 4500 هكتار، منها 3000 هكتار فقط لتطوير قطاع السكن. السوق هو الذي يتحكم في هذا المجال الاستراتيجي. أما الدولة فتقوم فقط بتدبير مخزون العقار العمومي الذي يدخل في اختصاصها. كما أن وثائق التعمير التي جاءت لتوضيح الرؤية للفاعلين في مجال التخطيط العمراني للمدن، تحولت بدورها لرافعة حقيقية للمضاربة العقارية. أضف لذلك عملت الاستثناءات في مجال التعمير التي يشرف عليها الولاة والعمال، على نقل هذه المضاربة وهذا الارتفاع في الأسعار إلى خارج المدارات الحضرية تحت ذريعة تسهيل الاستثمار. حصيلة هذا الوضع أن أسعار العقار وصلت لمستويات قياسية أصبحت تضر بشكل مباشر بالاستثمار وبجاذبية الاقتصاد بشكل عام، وتحد من التطور المنسجم للمدن. الدراسات العلمية التي أنجزت في هذا المجال، على قلتها، أجمعت على أن الكلفة الاقتصادية لهذا الوضع جد كبيرة وأن أضرارا كبيرة تلحق بالاقتصاد نتيجة لغياب آليات فعالة لضبط قطاع العقار. فمن جهة، هذا الوضع يكلف الاقتصاد نسبة لا بأس بها من النمو سنويا نتيجة لفقدان استثمارات كثيرة بفعل كلفة العقار. كما يضيع الاقتصاد سنويا فرصا هامة للتشغيل تناهز 30 ألف منصب شغل، نتيجة لانتقال رؤوس أموال ونسبة هامة من مدخرات الأسر إلى هذا المجال غير المنتج للثروة. وهو ما يضيع على القطاعات المنتجة رؤوس أموال ومدخرات كثيرة، كان ممكنا أن تستثمر وتلعب أدوارا دائمة في خلق الثروة والتشغيل. من جهة أخرى ساهم الوضع الحالي في ارتفاع كلفة السكن بنسبة ناهزت 25 في المائة، وهو ما أضعف القدرة الشرائية للأسر التي تقتني مساكن بأثمنة مضخمة بفعل أسعار العقار الملتهبة. كما ساهم الوضع في تشويه التطور العمراني للمدن والذي أصبح محدده الفرص العقارية وليس مخططات التعمير. سياسة إثقال العقار بالضرائب لا يمكن اعتبارها آلية لضبط قطاع العقار كما يمكن أن يعتقد البعض، بل ساهمت فقط في ارتفاع الأسعار مما زاد في تعقيد الأوضاع. هذا ما أظهرته نتائج هذه الدراسات. وهو ما يعني أنه يجب التخلي عن هذا المسار الذي يرفع مداخيل الدولة، لكن بكلفة اقتصادية تفوق هذه المداخيل. عدد من الدول المتقدمة تبنت سياسات عمومية واضحة في مجال ضبط سوق العقار. و الهدف من هذه السياسات هو جعل العقار في متناول الاستثمار بأثمنة مناسبة. الدولة لا تربح في هذا المجال، بل تساعد مختلف الفاعلين على ولوج هذه المادة الاستراتيجية في أحسن الظروف. هناك نماذج متعددة في هذا المجال يمكن للمغرب أن يستفيد منها بما يتناسب وخصوصياته. إصلاح مجال العقار يتطلب إرادة قوية أمام نفوذ أصحاب المصالح الكبرى في هذا المجال ، ويعتبر هذا الورش الإصلاحي مدخلا مهما لتجفيف أحد أكبر منابع الريع في المغرب. كما أن هذا الإصلاح سيساهم بكل تأكيد في نجاح الاستراتيجيات القطاعية وفي الرفع من جاذبية الاقتصاد، وجلب المزيد من الاستثمارات التي يحتاجها المغرب اليوم.