تفرض الدورة 12 لاجتماع اللجنة المشتركة المغربية - الفرنسية، بباريس، إعادة قراءة جديدة لواقع العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين. لأنها دورة تنعقد، تحت سقف تطورات جديدة، ما عاد يحكمها فقط البعد الاقتصادي كما كان يحدث في السابق، مما أصبح معه ملحا، امتلاك رؤية سياسية مبتكرة، مفروض أن تؤطر تحرك الحكومة المغربية، أمام الشريك الأول للمغرب في العالم، الذي هو فرنسا، خاصة وأن طبيعة علاقاتنا معها هي التي تؤثر، بشكل غير مباشر، في السياق العام لباقي علاقاتنا مع شركائنا الدوليين. إن معنى امتلاك رؤية سياسية مبتكرة، من قبل الحكومة المغربية، هو إدراك السياقات التي أصبحت تؤطر مصلحيا علاقتنا بشريك استراتيجي مثل باريس، وهي مختلفة، في أبعادها المغاربية والإفريقية والمتوسطية. فمغرب اليوم، ما بعد حكومة التناوب، ليس هو مغرب الأمس القريب، مما يجعل الأفق الذي يجب أن يؤطر تحرك الحكومة، هو أفق استمرارية منطق الدولة، المنطق الذي خلاصته الواضحة، أن فلسفة التدبير العمومية للدولة المغربية، في ما يرتبط بمصالحها الحيوية الاستراتيجية، أصبحت تحددها نتائج التراكمات السياسية لمشروع البناء الديمقراطي ودولة المؤسسات، التي كان دستور فاتح يوليوز 2011، تتويجا لها، أي أن المصداقية التي رسخها المغرب كدولة ومجتمع، جهويا وقاريا ومتوسطيا، أصبحت تفرض دفتر تحملات تفاوضية مختلفة على أي مسؤول حكومي. المنتظر من المغرب هو أن تكون الدورة 12 لاجتماع اللجنة المشتركة المغربية - الفرنسية، فرصة لتعزيز البعد الفعال الجديد الذي راكمه المغرب (بمؤسساته الدستورية المتعددة) ضمن محيطه المغاربي والعربي والإفريقي خلال 15 سنة الأخيرة. وهو ما يجب أن تعكسه روح الاتفاقيات الجديدة التي هي موضوع تفاوض وتوقيع مع حكومة باريس، بالشكل الذي يرسخ السيادة المغربية في ممارسة خياراتها التنموية، المنفتحة على عمقها الجيو ستراتيجي بمنطقة إفريقيا الغربية. ومن المهم هنا التذكير أن عناوين أزماتنا الأخيرة مع باريس، كانت في العمق، أدوارنا الاقتصادية والأمنية والدينية الجديدة، التي رسختها الدولة المغربية ضمن محيطها الإفريقي والمغاربي والعربي، بتراكم تدبيري منذ سنة 2000، مما يعني أن منطق الشراكة هو الذي يجب أن يحكم أي رؤية سياسية في علاقتنا مع أصدقائنا الفرنسيين، لأن مغرب اليوم، مختلف، وأثره الفعلي تنمويا وأمنيا ودينيا أصبح مجربا ووازنا ضمن محيطه الجيو استراتيجي، ويقدم نموذجا مختلفا لما يجب أن تكون عليه طبيعيا علاقات الشمال والجنوب، بروح التكامل والتعاون، خاصة في ملفات حيوية مثل الهجرة، التطرف الديني، الجريمة المنظمة، دعم ملفات التعاون "جنوب جنوب"، التي تحقق فعليا إدماج اقتصادياتنا الافريقية ضمن منظومة السوق العالمية الجديدة، ذات الأقطاب المتعددة ماليا واقتصاديا اليوم، بل أكثر من ذلك، أن تقدم المثال على أن حلول الكثير من أزمات الشمال (الأمنية والاقتصادية والثقافية)، هي في ترسيم أشكال جديدة للتكامل والتعاون بروح الشراكة مع دول الجنوب، تلك التي راكمت تحولا ديمقراطيا مؤسساتيا. إن المأمول هو أن تكون الدورة الجديدة لاجتماع اللجنة المشتركة العليا المغربية - الفرنسية، فرصة لتعزيز هذا الأفق التكاملي، بالشكل الذي يحوله إلى نموذج مرجعي، يؤطر مستقبل علاقاتنا مع شريكنا الفرنسي، ضمن أفق ينتصر لمصالحنا الحيوية المشتركة بروح التكامل لا روح التبعية.