توطدت العلاقة بين الاثنين.. إلا أن رقية كانت تقع بين الفينة والأخرى في شباك بعض الزبناء خاصة الذين يدفعون أكثر، فيما بقيت مخلصة لحبيب قلبها الذي كانت ترافقه كلما طلب منها ذلك. كان يوما قائضا من أيام شهر غشت، قبل ست سنوات خلت، استقلت رقية أول قطار متوجه من محطة البيضاء المسافرين في اتجاه مدينة فاس. إلا أنها في لحظة معينة قررت النزول من القطار في محطة الأمير عبد القادر في مكناس. كانت رقية في نهاية عقدها السادس إلا أن وجهها ظل يحتفظ بما كان يتميز به من جمال أخاذ. حملت حقيبتها ونزلت في المحطة وهي تهيم على وجهها دون اتجاه. قررت، في لحظة ما، تناول وجبة غداء بعد أن أحست بجوع شديد يخترق أمعائها.. توجهت إلى أقرب محل لبيع المأكولات الخفيفة الذي كان مشهورا في تقديم الوجبات الشعبية. دلفت رقية المحل دون أن تلتفت لا يمينا ولا يسارا، وطلبت وجبة من الفاصوليا باللحم تناولت الطبق بنهم وكأنها لم تتناول الطعام منذ أيام. وبعدها، غادرت مسرعة وكأنها متوجة إلى وجهة ما. وما أن سقطت عيناها على حديقة عمومية حتى توجهت رأسا إليها حيث وضعت جسمها فوق كرسي خشبي وأدخلت يدها في حقيبة الملابس حيث أخرجت سيجارة من النوع الرديء وبسرعة أشعلت سيجارتها ونفثت منها دخانا كثيفا.. لتشعل بعدها سيجارة أخرى فثالثة قبل أن تقرر مغادرة الحديقة العمومية في اتجاه غير مرسوم مسبقا. وفي لحظة ما، ارتأت أن تتوجه إلى أقرب وكيل عقاري من أجل أن تبحث لها عن ملاذ آمن. وماهي إلا لحظات حتى عثرت على مبتغاها لدى أول وكيل، حيث خيرها بين العديد من الغرف التي يتوفر عليها، فاختارت غرفة منعزلة في سطح منزل قديم. ومباشرة بعد ذلك، وضعت حقيبتها وتوجهت إلى أقرب سوق شعبي، حيث اقتنت أثاثا قديما أثتت به فضاءها الجديد وأخرجت علبة سجائرها الرديئة وتناولت واحدة قبل أن تتوجه إلى بقالة الحي لاقتناء بعض المواد الغذائية. لاحظ صاحب الدكان أن الزبونة جديدة في الحي ولاحظ أيضا أنها تضع ماكياجا على وجهها رغم أنها تجاوزت عقدها السادس. عادت إلى غرفتها واستسلمت لنوم عميق وكأن جفونها لم تلتصق ببعضها البعض منذ أمد بعيد ولم تستفق إلا في حدود منتصف نهار الغد. الفاتنة والخليل كانت رقية فاتنة بشكل لا يدع مجالا للشك، حيث كانت قد غادرت القرية التي كانت تسكنها بضواحي سطات، متوجهة إلى مدينة البيضاء للعمل في معامل الخياطة. إلا أنها كانت ضحية لعلاقة حب لم تكتمل. بعد أن افتض بكارتها أحد زملاء العمل، وبعد أن ماطلها لشهور، قرر فض العلاقة ومغادرة البيضاء. بينما ظلت هي هائمة على وجهها في مدينة غول قبل أن تتعاطى للدعارة بالشارع العام. وفي لحظة ما، اقترحت عليها إحدى الصديقات التي كانت تقتسم معها الغرفة التي تقطنها في البيضاء على وجه الكراء، أن تعمل نادلة في إحدى الحانات. حبذت رقية الفكرة، وتوجهت رأسا إلى الحانة المذكورة، حيث قابلت المسير الذي رحب بها وأطلعها على ما يجب القيام به خدمة للزبناء وطمأنها أنه يمكن أن تقع في حرج مع البعض منهم إلا ان ذلك يمكن أن يدر عليها بعضا من نقود الزبناء، وحدد لها توقيت عملها وتاريخ بدايته. من معامل الخياطة إلى الحانات والدعارة عادت رقية إلى الغرفة التي تقتسمها مع زميلتها التي كانت هي الأخرى قد بدأت تشتغل في دعارة الشارع وترتاد بين الفينة والأخرى الحانة التي ستمارس فيها رقية عملها الجديد. وفي التاريخ المحدد، تزينت رقية وتوجهت، في حدود السابعة مساء، من أجل تسلم عملها الجديد في حدود الثامنة. رغم تعثرها، في البداية، في عملها المتمثل في سقي الزبناء بأنواع الخمور، إلا أنها كانت محط اهتمام من طرف العديد من السكارى خاصة الذين بدأت الخمرة تلعب برؤوسهم. عادت إلى البيت في وقت متأخر، بعدما تعاقدت مع صاحب سيارة أجرة على نقلها يوميا من بيتها إلى العمل وإرجاعها بعد انتهائها منه، حيث كانت قد حصلت على مدخول جيد مما يجود به الزبناء. وبعد تناول وجبة عشاء كانت قد اقتنتها من محل لبيع المأكولات الخفيفة، تمددت فوق سريرها قبل أن تستسلم لنوم عميق استعدادا ليوم عمل آخر. استفاقت كعادتها بعد منتصف الليل وتوجهت إلى مقهى قريب من مقر العمل حيث تناولت إفطارها وتوجهت رأسا إلى الحانة حيث في يومها الثاني ستحدث المفاجأة وتتغير حياتها حيث دعاها أحد مرتادي الحانة إلى تناول نخب. ومن أول نظرة أحست بقربه منها وكأنها تعرفه منذ سنوات طويلة. وباقتراب ساعة عملها، تواعدت معه على اللقاء بعد انتهائها من العمل.. وهو ما حصل حيث حملها على مثن سيارته في اتجاه شقة تقع بوسط المدينة، حيث قضى الاثنان ليلية حمراء بكل مقوماتها، حيث عاشا وكأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ سنوات. علاقة حب انطلقت من الحانة توطدت العلاقة بين الاثنين.. إلا أن رقية كانت تقع بين الفينة والأخرى في شباك بعض الزبناء خاصة الذين يدفعون أكثر، فيما بقيت مخلصة لحبيب قلبها الذي كانت ترافقه كلما طلب منها ذلك. استمرت علاقة الاثنين لأكثر من عشرين سنة وكأنهما متزوجان يعيشان لمدد طويلة تحث سقف واحد إما بمنزلها الذي استقلت فيه عن زميلتها أو بشقة الخليل. وكانا كلما تقدما في العمر إلا وازداد حبهما لبعضهما البعض لا يعكر صفو علاقتهما سوى بعض الزلات التي كان يرتكبها العشيق بخيانتها مع بعض فتيات آخر الليل اللواتي كانت تعرف الكثير منهن. الحبيب يقرر بداية حياة جديدة وفي لحظة حميمية، صرح الحبيب لها أنه يريد أن يضع حدا لهذه العلاقة التي لم تعد في مستواه، وأنه يريد أن يدخل قفص الزوجية. ظنت رقية أن حمان لا يتحدث بشكل جدي، إلا أنه كان مصرا على وقف هذه العلاقة بشكل نهائي رغم أنه كان على مشارف الستين من عمره.. وغادر البيت دون أن يتناول حتى طعم الإفطار الذي اعتاد أن يتناوله في بيت رقية كلما قضى ليلته هناك. ظلت رقية شاردة الفكر تحاول أن تجد ما تبرر به صد الحبيب لها وظنت أنها مجرد سحابة صيف عابرة.. إلا أن إدريس عاد وبدأ في جمع متاعه استعدادا لمغادرة بيت الخليلة بشكل نهائي، وهي اللحظة التي حضرت رقية فكرة جهنمية بتصفية حمان الذي تلاعب بعواطفها لأزيد من 25 سنة. أظهرت رقية لحمان أنها راضية عن قراره ودعته لقضاء آخر ليلة معها قبل الرحيل عنها. وبحكم أن حمان كان يبحث عن مخرج لورطته بأي ثمن، فقد قرر تلبية طلبها. خرج وعاد محملا بكل ما لذ وطاب، حيث حضرت رقية وجبة العشاء وكأن لا شيء حدث. وفي حدود منتصف الليل، وبعد أن استسلم حمان للنوم، بحكم عامل السن وحالة السكر المفرطة، حملت رقية السكين وطعنته عشرات الطعنات حتى غادر الحياة. وقامت واغتسلت وغيرت ملابسها وملأت حقيبتها بما تشتهيه من ملابس حيث اغلقت الباب خلفها وتوجهت إلى محطة القطار. لم يمر سوى أسبوع حتى انبعثت رائحة كريهة من داخل المنزل، وبعد اقتحامه من طرف رجال الشرطة، تبين أن جثة حمان متقدمة في التحلل و أنه تعرض لعملية اغتيال بواسطة عدة طعنات سكين. وقد أفاد سكان الحي أنه كان يعيش رفقة رقية التي اختفت. تم تحرير مذكرة بحث في حقها في انتظار إلقاء القبض عليها.. وهو ما حدث بعد عودتها من جحيم الفرار لمدة فاقت خمس سنوات كانت قد قضتها بمدينة مكناس، حيث لم تقض سوى ليلة في بيتها وهي مطاردة من طرف طيف حمان الذي رافقها في رحلتها بالبيضاء لمدة فاقت 25 سنة قبل أن تغتاله في لحظة غدر. المحكمة، وبعد أن اعتبرت القضية جاهزة، أدانت المتهمة رقية من أجل المنسوب إليها وحكمت عليها بعشرين سنة سجنا نافذا.