رسم أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط، صورة قاتمة عن آفاق تطور الاقتصاد الوطني خلال العام القادم ، وتوقع ألا يتجاوز معدل النمو 2.6 % في 2016 بدل 4.3 % المنتظرة خلال العام الجاري . وقدم لحليمي، خلال مؤتمر صحفي أول أمس بالدار البيضاء، قراءة رصينة وعميقة للظرفية الاقتصادية التي تمر منها البلاد، والتي وصفها ب "مرحلة مفصلية" يجتازها الاقتصاد الوطني، واضعا إياها في سياق التطورات المتسارعة التي شهدها المغرب خلال 15 سنة الماضية. وأوضح لحليمي أن الدينامية التي عرفها الاقتصاد الوطني في السنوات الماضية يرجع الفضل فيها إلى الاختيارات الاستراتيجية التي منحت المغرب إشعاعه الدولي، ودعمه من قبل المؤسسات الدولية. ومنذ سنة 2000 -يقول لحليمي- دخل المغرب مرحلة انفراج سياسي أحدثت قطيعة مع التدبير السياسي والاجتماعي الذي كان سائدا، والذي كانت تتحكم فيه تصورات محافظة، و دخلنا في مناخ إصلاحات هيكلية ومؤسساتية كبرى كان لها وقع اقتصادي واجتماعي هام، حيث تميزت المرحلة بتكثيف الاصلاحات ، وتخصيص ثلث الناتج الداخلي الإجمالي (33%) للاستثمارات، هذا المجهود أفرز نتائج هامة تمثلت في تقليص العجز الحاصل في العديد من الميادين، وهو ما توج بعدة مكتسبات في ميادين محاربة الفقر والهشاشة والفوارق الاجتماعية والمجالية.. وأعطى دفعة قوية للفاعلين الاقتصاديين والمقاولات عبر عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص.." ولاحظ الحليمي أنه بدل الاستمرار في تعزيز هذه المكتسبات الناجمة عن اختيارات استراتيجية صلبة ومتينة، مكنت الاقتصاد الوطني من الصمود في وجه تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008 ، بدأت هذه الدينامية خلال السنوات الأخيرة في الفتور، وأخذت وتيرتها تتباطأ . وقدم المندوب السامي مجموعة من الأدلة الصارخة عن هذا التراجع المسجل في العديد من المؤشرات، من بينها تراجع نمو أنشطة القطاع غير الفلاحي من 5% خلال الفترة 2000-2007 إلى 3,2% سنويا منذ سنة 2008 و إلى 2,1% خلال السنوات الثلاثة الماضية. كما تراجعت حصة القطاع الفلاحي في الناتج الداخلي الخام من 13% قبل سنة 2007 إلى 10% حاليا. ونبه لحليمي إلى أنه على الرغم من الآثار الإيجابية لتطور المحيط الدولي، الناتجة عن انخفاض أسعار المنتجات النفطية ومنتجات المواد الأولية غير الطاقية، فإن إعادة التوازنات الماكرواقتصادية خلال سنة 2015، تمت على حساب الاستهلاك والاستثمار. وهكذا انتقل معدل نمو الطلب الداخلي من 6% كمتوسط سنوي للفترة 2000-2009 إلى 3,3% خلال السنوات الخمس الأخيرة. وبخصوص معدل نمو الاستثمار، فقد أصبح سالبا منذ سنة 2013 كما أن إعادة التوازنات الماكرواقتصادية خلال سنة 2015، تمت على حساب الاستهلاك والاستثمار .. ونفس التراجع يشهده الاستثمار والنمو الاقتصادي اللذان يعرفان انكماشا ملحوظا، حيث أن المعدل السنوي للاستثمار من الناتج الداخلي الإجمالي سجل منحى تنازليا ليصل إلى 30% عوض 33% خلال العشر سيوات الأخيرة. ومن جهته، عرف النمو الاقتصادي منحى تنازليا منذ سنة 2008. وتعجب لحليمي من عدم استغلال هذه الفرصة المتميزة بتراجع أسعار المواد النفطية والطاقية ومعظم المواد الأولية في السوق الدولية ، ليس فقط لتقليص العجز الموازناتي ولكن كذلك لتعزيز الاختيارات الاستراتيجية والمكتسبات السابقة، بغية الانتقال بالبلاد من خانة الدول السائرة في طريق النمو إلى مصاف الدول الصاعدة، ليس باعتماد منطق محاسباتي بل بمنطق اصلاحات بنيوية شاملة. وحذر المندوب السامي للتخطيط من أن هذه الفرصة المواتية ليست معطى دائما، بل معرضة للتغير في أية لحظة .وفضل لحليمي أن يكون متشائما وحذرا في المستقبل على أن يستكين للسيناريوهات المطمئنة. وأضاف " في هذا السياق وبدون إصلاحات بنيوية من شأنها تنويع عميق للنسيج الإنتاجي وتثمين الاختيارات الاستراتيجية التي تبناها المغرب منذ سنة 2000، فإنه من الممكن تقليص الآثار الإيجابية التي تمنحها الظرفية العالمية الحالية ." وفي هذا السياق ، دعا لحليمي إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية الكبرى قائلا "إنه يتعين علينا اليوم تعزيز إصلاح صندوق المقاصة الذي انخرط فيه المغرب واتخاذ إجراءات مستعجلة لإصلاح أنظمة التقاعد.. "براكا من الهضرة" .. كما دعا إلى مراجعة عميقة لطريقة التسيير الحالية للإدارة العمومية. هذه الأخيرة التي تمتص 20% من الناتج الداخلي الإجمالي أي 4 مرات أكثر من تكلفة نفقات المقاصة في السنوات غير الملائمة، التي لا يمكن تحملها إذا تم تطبيق هذه الطريقة في التسيير في إطار الجهوية. وألح لحليمي على ضرورة تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الرساميل الخاصة الوطنية والدولية للانخراط في الاستثمار المنتج، كما دعا إلى اتخاذ إصلاحات عميقة ومستدامة للنظام الجبائي الوطني الذي يبدو اليوم أقل ملاءمة مع إنتاجية عوامل الإنتاج وإدماجه في رؤية مستقبلية.