يوما عن يوم، لحظة تلو الأخرى، نجد أنفسنا ننبش في تفاصيل واقع أليم، ننفض الغبار عن قصة حياة تعرف مسارا غير باقي المسارات الطبيعية، نكشف جزءا من حالة إنسانية هي واحدة من ضمن مجموعة حالات، قد لايسلّط عليها الضوء، لبعدها عن «الأنوار»، أو بفعل جهل، أو نتيجة لخجل، أو فقط لأن أصحابها هم يندرجون ضمن خانة «غير المصنّفين» ويرتدون عباءة النسيان، فتتيه آهاتهم في فضاءاتهم الضيقة، وتضيع بين زحمة الأيام الحبلى بأصوات الألم والأنين التي قد تغطيها أصوات فرح البعض الصاخبة التي تطغى، فلا يُسمع لحاجتهم صوت ولاينتج عنه صدى! «ملاك» عليل محمد يزيد، ابن مدينة أكادير، طفل رأى النور في 15 غشت 2006 ، وهو اليوم يبلغ من العمر 9 سنوات، يعيش مرحلة طفولية، المفروض أن تكون عنوانا على اللهو والمرح، على الانطلاقة نحو الحياة، وعلى البحث عن مزيد من الاكتشافات، وطرح الأسئلة والبحث عن الإجابات، شأنه في ذلك شأن كل الأطفال المقبلين على الحياة وآفاقها الرحبة وعلى شقّ طريق المستقبل، استفسارات قد يكون محمد يزيد تناولها من مختلف الزوايا ووجد لها بالفعل الردود التي تشفي غليله، إلا سؤالا واحدا، جاء مفاجئا، صادما ليس لهذا الطفل البريء لوحده وإنما لأسرته الصغيرة ولكل من علم بتفاصيل قصته، سؤال عن مرض ألمّ به على حين غرّة، حرمه من العيش بشكل طبيعي، حال بينه وبين أصدقاء في مثل عمره كي يلهو ويمرح معهم، ويتقاسم معهم كل اللعب، منعه من الخروج في أي وقت بشكل طبيعي ليطلّ على العالم الخارجي في حركة هي جدّ بسيطة عند الغير، كثيرة التعقيد لتداعياتها بالنسبة له، فرض عليه وضع حاجز واقِ على وجهه حتى لاتنتقل العدوى إلى غيره، مع مايعني ذلك من نظرات، يختلط فيها الاستغراب بالعطف بمشاعر أخرى، مرض ليس سوى أحد أمراض سرطانات الدم وهو اللوكيميا. طفولة «مسجونة» فصول آلام ومعاناة محمد يزيد ووالديه، انطلقت في 7 مارس 2013 بعد عرضه على الطبيب نتيجة لمجموعة من الأعراض المرضية على مستوى الوجه، وهن، سعال جاف بدون حمى، وغيرها من الفصول المرضية التي فرضت على الصغير الخضوع لسلسلة من الفحوصات والخطوات التشخيصية أفضت إلى تأكيد إصابته بأحد أنواع اللوكيميا، وهو عبارة عن اختلال في وظائف النخاع العظمي الذي ينتج خلايا سرطانية عوض كريات حمراء عادية. مرض اعتقد الوالدان على الرغم من قساوة الخبر، أنه بالإمكان التشافي منه من خلال العلاج بالأدوية وبالحصص الكيماوية، لكن وخلافا للمبتغى، لم تفض كل التدابير التي بوشرت إلى أية نتيجة، إذ أصيب فلذة كبدهما بانتكاستين متتاليتين، أضحى معهما أسيرا، تارة بين جدران المنزل، الذي أصبح صامتا/جامدا، مفتقدا للحيوية والحياة، ومحمد يزيد، جالس بإحدى الزوايا وكأن الأمر يتعلق بشخص راشد يحسب خطواته، فلا طيش يسجّل ولاتهور، ولامقالب طفولية تحبك سيناريوهاتها، لو كان البيت مسرحا لها، ومهما كانت درجة وقعها، لشكّلت مبعثا للفرح بالنسبة للوالدين، لا مبعثا للأسى، وهو ذات السجن المعيش تارة أخرى في المستشفى، الذي ينقل إليه الطفل وكل عناوين المعاناة والألم مطبوعة على محيّاه، في الوقت الذي يوجد أقرانه في الفصول الدراسية من أجل التمدرس، أما الوالدان فقد غيّر هذا المعطى الصحي لثمرة زواجهما من وقع خطواتهما وألغى كل الأماني/الأحلام التي دارت بخلدهما يوما، وأنهى زمن المشاريع التي كانت تراودهما ولم تعد لهما من أولويات سوى أولوية واحدة وهي محمد يزيد، الذي يبتسمان في وجهه مكرهين وإن كان قلبهما ينفطر ألما ويبكي دما لعجزهما. ترقب لانفتاح أبواب الأمل وضعية ترخي بظلالها اليوم على الطفل بشكل أكثر حدّة الذي يعيش حالة صحية حرجة بعدما تعرض للانتكاسة الثانية، وفقا للتقرير الطبي المحرر بتاريخ 29 شتنبر 2015، الذي تؤكد الطبيبة المعالجة ضمن خلاصاته، استعجالية خضوع محمد يزيد لعملية زرع النخاع الشوكي، وهو تدخل جراحي تعترضه العديد من العراقيل، وهي الصعوبات التي تغلق أبواب العلاج في وجه الصغير وأسرته، مقابل فتح باب الرجاء والأمل في الفرج من لدن الباري عز وجلّ، ومن طرف المحسنين ذوي الأريحية المقبلين بمنتهى الكرم على أفعال البرّ والإحسان، على اعتبار أن هذا الشكل الجراحي غير متوفر في المغرب، إذ يجب أن تجرى العملية بأحد المستشفيات الفرنسية، كما أن تكلفته المادية هي مرتفعة جدّا لاسبيل للوالدين لتوفيرها، فضلا عن كون المهلة المحددة لخضوع محمد يزيد لهذه العملية الجراحية هي عبارة عن 30 يوما حتى لاتزداد وضعيته الصحية تفاقما/تدهورا؟ إضاءة شمعة محمد يزيد، طفل أصيب بمرض على حين غرّة لم يكن في الحسبان، يعيش واقعا بإمكان الجميع أن يعيش نسخة منه، ولا أحد هو في منأى عن تفاصيله. محمد يزيد هو أيضا شمعة يتمنى الجميع ألا تحترق مرضا، ألا تخبو شعلتها قبل الأوان، أن تنير سبيلها ومحيطها بشعلتها النقية/الصافية، وهو مايمكن أن يتحقق بمشيئة من خالق الكون سبحانه، وبدعم جماعي مشترك مهما كان تفاوت درجاته، مادامت كل المجهودات ستصبّ نحو وضع الدرج تلو الآخر أمام قدميّ الطفل كي يخطو عليها وتعبّد له السبيل للوصول إلى قاعة العمليات، وأن يكون آنذاك بين أيدي الجراحين الاختصاصيين، لتمكينه من نخاع هو عنوان على استمرار الحياة.