التقطت حوالي 11 ألف صورة بهاتفي الذكي خلال 38 يوما من إقامتي بالديار الكندية صيف السنة الجارية . وهو رقم يعادل 450 صورة كل يوم تم قطفها من مختلف زوايا و تضاريس منتريال العامرة الممتدة ضفافا على كل التخوم.. بمنطق سيكولوجيا التماهي مع الأشياء، يبدو حجم الصور الملتقطة شخصية كانت أو طبيعية ليس أكثر من إسهال بصري، إنه إسهال مشهدي يؤكد الرغبة القوية في تخليد الأثر، ارتباطا باللحظة الهاربة، وانسياقا مع تيارها الجارف، و يتضح مدى هيمنة انطولوجيا الحقل البصري وسيادته على الحواس بالنسبة لي كزائر عاشق لأمريكا الشمالية حين يقفز إلى ذهني قرار الرحيل ومغادرة جزء مني ضمن هذه المنطقة الكيبيكية الشاسعة الأرجاء ، فتتجمد الدماء في شراييني لتتأجج الرغبة العارمة من جديد، تلك التي ما انفكت تجتاحني وتحثني باستمرار على التخزين الاستراتيجي للمادة الصورية الثابتة والمتحركة كأرشيف متدفق على الدوام.. حينما يكون صفاء الذهن حاضرا، أداعب هاتفي الأيفون الذكي، وأدع برنامج بث الصور المترادفة مثل رشاش ماء معتدل في عز الصيف ينعش أوصالي، أشعر بحنين متدفق إلى كافة الأمكنة بزمانها، وكل الأزمنة بأمكنتها ، كما لو أنني أحياها من جديد، إنه نوع من التوحد مابين الزمان والمكان يشد الروح في سفر مثقل بالآهات والزفرات الجميلة والرائقة؟ . آلاف الصور التي سقطت فوق حقلي البصري أو سعى إليها ليست دائما بالمواصفات التقنية المطلوبة من حيث الكادراج والتبيئة المرغوب فيها، لكنها على الأرجح، توثيق باذخ لتلك اللحظات الموغلة في الأعماق الناظمة لآلية الانتقال في الزمن الهائم في مساحات الوقت و المؤثث بفضاء ينبض بالحيوية والجماد الأصيل. ولعل الصورة أفضل ما يمكن تخزينه في ذاكرة السفر، فضلا عن المشاهدات اللامنتهية، ويكبر وزن الصورة ويسمو حين ترتبط بشذرات مقتطعة بعشق الكتابة الأبدي، أي اللحظة المتبوعة بالمغادرة والمنتزعة أو المسلوبة من منسوب الحياة الرمزي" الأبوة". إنها ذاكرة مفعمة بالوجود المنتهي في اللاتناهي تتحرك في أدغال الذاكرة بدواليب الرغبة، وتنتعش بحرارة الإحساس العميق المرتوي من روافد الذاكرة الحبلى بملايين الأسئلة والزفرات، وترسم بأنامل عاشق نمنمات الهوى الموغل في تضاريس الوجدان. في لحظة ما، كان يتعين علي التوقف عن التقاط الصور بشكل عشوائي، وكان العزيز إلياس يخاطبني بصوت مسموع، لم لا تكون الصورة احترافية ؟ حتى ولو كانت لمجرد المتعة الشخصية، لكني كنت أشعر أن مثل هذا السؤال عائق أمام اندفاعي اللايهادن، أما عشقي الأبدي للصورة أنا الذي ما زلت لم أكف يوما عن الترديد أنني مستعد لدفع5 آلاف درهم مغربية، لمن أهداني صورة لي بالقسم الرابع أو الخامس من مرحلتي الابتدائية بتازة الأصيلة أواسط السبعينيات، لكني كنت أشعر بثقل السؤال، كما لو كان حاجزا يمنعني من ولوج طرق ومسالك تنمية مهاراتي في بناء المشهد وتخليد الأثر برقمية بارقة . كنت ألتقط الكثير من الصور المترادفة بمنتريال الكندية مع الأصدقاء الجدد الشاعر عزيز فهمي ابن الراشدية، علي الحضري سليل تازة، يوسف غرباوي و ياسين الصنهاجي حفدة مولاي إدريس فاس، عبد الغني كروم قطب حد كورت، رشيد ناجحي ابن البيضاء .... في الشوارع النابضة بالحياة، في الفضاءات الزاخمة الممسكة بتلابيب الروح، في الأزقة المتخمة بالجمال، في الأسواق والمساحات الخضراء 365 يوما في السنة، في المقابر المرتبة بعناية إلاهية، في المزارات، المتاحف، الأسواق، الكنائس، الهياكل والشوارع الفسيحة من كافة الزوايا والفتحات، لكل الأمكنة التي أزورها، كانت هديتي الصورة ومتعتي التصوير، اليوم أعترف أنني كنت وما أزال مسرفا ومقترا وعلى مستوى عال من الشح في نشرها وتقاسمها على مواقع التواصل الاجتماعي ومشاركتها مع آلاف الأصدقاء من القارات الست. إذ من بين 11 ألف صورة التقطتها بثلاث مدن بقارة أمريكا الشمالية لم أنشر سوى 40 صورة فقط ..