ظل المغرب في منأى عن إيلاء الأهمية للتكوين الإداري التربوي، مما جعلنا نرث إدارة تربوية واهنة عاجزة خاملة مريضة متقاعدة أو محالة على التقاعد، ومن صور هذا المرض الإداري التربوي : تغييب التكوين بشقيه الأساسي والمستمر وحوافزهما. غياب قانون منظم للسلط التربوية بين أطر الإدارة التربوية. غياب تصور حداثي قانوني حقوقي يكرس التدبير التشاركي بين مكونات الادارة التربوية. إنه لايمكن الحديث عن إدارة تربوية حديثة في غياب تجديد جذري للقانون التنظيمي أو الإداري للإدارة التربوية، وهذا الجانب هو الذي جعل إدارتنا التربوية تعيش حالة من الفوضى أو العبثية، فقد تجد ادارة تربوية متجانسة متفاعلة مع محيطها ومتجاوبة مع شركائها بشكل إيجابي يؤثر على الفاعلين والمستهدفين داخل المؤسسة التربوية، وقد تجد إدارة تربوية تحكمها نزعة تحكمية فردانية لا يمكن أن يسمع فيها الأصوات واحد هو صوت المسؤول الأول ، في غياب أصوات الأطر الإدارية الأخرى أو أطر التربية أو شركاء المؤسسة، كما قد نجد إدارة تربوية متقادمة تسير على نهج "السلف الإداري بالصالح منه أو الطالح" فتجتر وتكرر التجارب السابقة في غياب المتابعة أو المحاسبة مما يعزز أوضاعا كارثية تؤدي إلى نتائج عكسية، لذا فأي إصلاح يجب عليه ان يبدأ من الإدارة التربوية لأنها الجهاز الوحيد الذي يوصل وينفذ وينزل لكل القرارات والمقررات والبرامج التربوية بشتى أنواعها وتفاصيلها، من هاته الزاوية يمكن أن نفهم أن غياب إدارة منسجمة ومتفاعلة مع محيطها لايمكن إلا أن يسبب في مزيد من الكوارث التربوية، إن الأسلوب الأفقي في التسيير والتدبير للشأن التربوي يجعل المدرسين المكلفين بالإدارة التربوية حراسا وحماة للنصوص والتعليمات المركزية فلا يستطيعون أن يتصرفوا كقوة مصححة ومعالجة من موقع مسؤوليتهم وتكوينهم المعرفي والتربوي .. لايستطيعون معالجة أي خلل من الاختلالات الكبرى التي تعتري الشأن التربوي محتمين للتطبيق الجاف للإجراءات التطبيقية والقانونية في وجهها السلبي ، فهذا مدير يرجع مسؤولية فشله في تدبير الشأن التربوي إلى الناظر وهذا الأخير ينزل المسؤولية إلى الحارس العام وهذا الأخير كذلك يتضرع بكونه لايتحرك إلا بإشارة من رئيس المؤسسة فيدور المشكل ويتحرك في دائرة مغلقة، هذا يكيل التقصير إلى ذاك وذاك يرجع المسؤولية إلى الذي هناك (المسؤول الأول) فيحصل الاضطراب والاصطدام بين مكونات الإدارة التربوية فتعود النتائج عكسية بل هناك من يزيد في تطبيق "سياسة فرق تسد" أو استعمال القانون في جزئياته وإغفاله في جوهره وروحه. إن الإدارة التربوية ليست محتاجة إلى مسؤولين ،مديرين، أو نظار، أو حراس عامين، ينزوون في مكاتبهم أو يتلاعبون بفارة الحاسوب، بقدر ما تحتاج الإدارة التربوية إلى طاقات وموارد بشرية مؤهلة معرفيا، وفكريا، واجتماعيا، ونفسيا ،وسياسيا ،ونقابيا، نظرا لحساسية مسؤوليتها في تدبير شأن اجتماعي خطير ،يتعامل مع شركاء من خارج المؤسسة ،جمعيات ومنظمات، ويتواصل مع إدارات وأجهزة إدارية تربوية ،نيابات ،واكاديميات ووزارات، ،ويتعايش يوميا مع الأساتذة والتلاميذ ،وينكب في كل لحظة لتدبير وحل معضلات الشأن التربوي اليومي ،فهل يقدر رئيس المؤسسة على كل هاته المسؤوليات والتدابير اليومية وغير اليومية ،اذا لم يكن محاطا بجهاز إداري مؤهل ومسؤول ويحس بثقل المسؤولية وهذا ما لانراه اليوم في مؤسساتنا التربوية...تجد المدير يقف أمام الباب لإدخال واستقبال التلاميذ كل صباح ومساء، ويقفل الباب الرئيسي بعد أن يطوف و يتطوف عبر كل جنبات المؤسسة ليراقب أو يتتبع أي شيء يمكن أن يقع في مرافق المؤسسة، القاعات، الساحات ، المرافق الصحية، أجنحة المؤسسة، فضاء التربية البدنية. المدير هو المسؤول على توفير وحماية كل التجهيزات داخل المؤسسة ومراقبة شبكات الإنارة والماء الصالح للشرب والأجهزة البيداغوجية والمقاعد والطاولات والأدوات المستعملة في المختبرات ومواد التجارب. المدير هو الذي يتصل مع الآباء والأمهات ،ومع الوقاية المدنية في الحواضر، ومع سيارات الإسعاف ،ومع الأمن، والدرك، والسلطة المحلية، وهو المسؤول عن كل ما يقع في مؤسسته ويساءل لوحده. المدير هو من يشرف على كل المجالس ويحرر تقاريرها وينفذ كل مايصدر عن هاته المجالس من قرارات وهو الذي يساءل عنها لوحده. المدير هو من يقوم بإرسال البريد واستقباله وهو من يقوم بالإحصاء والمسك وتعبئة الوثائق والبطاقات وهو الذي يساءل لوحده. المدير هو من يشرف على جميع الأنشطة في المؤسسة ويوفر لها شروط النجاح. فأين البقية من الناظر و الحارس العام ،وأين مسؤوليتهما ؟حينما يفشل هذا المدير أو يسقط في أخطاء أو يعجز عن تنفيذ كل هاته البرامج والأنشطة، فهل تعلم أنه مثلا حينما تحدث حادثة مدرسية أو رياضية، المدير هو من يسأل عنها وليس الأستاذ أو الناظر أو الحارس العام؟ هل تعلم أن أي تخريب يقع داخل القاعة ولو أثناء استغلالها يكون المدير هو المسؤول على تتبع ما يقع وإصلاح أضرارها أو تجهيزها ، وإلا يتمرد الأستاذ، ويتراجع الحارس العام، ويصمت الناظر؟ هل تعلم أن الدخول إلى المؤسسة وإغلاق الباب الرئيسي من مسؤولية المدير إذا لم يلتزم بالنظام الداخلي بإغلاق الباب قبل أو بعد خمس دقائق حتى وإن كان هذا المدير في رخصة او عطلة أو راحة أسبوعية فهو المسؤول عن ذلك الخلل ويساءل من طرف النائب أو غيره بذلك. هل تعلم أن أية وثيقة أو بطاقة يدونها الأستاذ وتحمل أخطاء تتعلق بترقية أو وضعيته الإدارية يساءل عنها المدير ولايساءل عنها الناظر أو الأستاذ؟ هل تعلم أن معالجة الغياب واستقبال الاباء وما يحصل في ذلك من مشاكل تعود فيها المسؤولية للمدير وليس الحارس العام؟ هل تعلم أن المدير هو المسؤول عن استعمالات الزمن وتنزيلها وإن كانت لا تتوفر فيها كل الشروط التربوية والتي تنجز من طرف الناظر ،إلا أن الاستفسار والاستنكار لايوضع في اسم الناظر أو في اسم غيره وإنما في إسم المدير؟ هل تعلم ان المدير يساءل عن الملفات المدرسية التي تبعث أو تأتي إلى المؤسسة وهي ناقصة من وثائق كثيرة لم يدونها الحارس العام في المؤسسة المستقبلة أو المؤسسة الأصلية ؟غير أن المراسلة لا توجه مباشرة إلى الحارس العام تحت إشراف المدير و إنما يستفسر المدير وحده في ملفات توضع رهن إشارة الحارس العام؟ هل تعلم أن برنامج "مسار" الذي كله يبنى على أساس تدوين هوية التلميذ ومساره الدراسي وهي من مسؤولية الحارس العام إلا أنه لا تفتح بوابة ولا تعالج معطياته وبياناته إلا باسم المدير وكأنه يؤشر على ما سلمه الحارس العام بودن أن يحاسب على هاته المعطيات. لقد وصلنا إلى عمق المشكل وهي أن الإدارة تحاسب رأسا ولا تحاسب جهازا، فالإدارة التربوية اليوم تخلى فيها الحراس العامون والنظار من مسؤولياتهم ورموها على المدير لأنه الوحيد الذي يساءل عن كل ما يجري داخل المؤسسة أو كل ما يربطها بباقي المؤسسات الأخرى وإذا استعرضنا تنظيم الامتحانات فذاك شيء أخطر،فالناظر لا يتكفل بمسؤولياته ولا يحضر الامتحانات، أما الحراس العامون فلا يكتفون إلا بالدوران في الساحة لتسجيل الغياب لاغير، المدير يتلقى الموضوعات ويحرسها ويوزعها ويسهر على باب المؤسسة ويغلقه، ويتتبع الغش ويستقبل الشكايات، ويوفر الجو العام للامتحان ،ويشرف على القاعات وتوزيع الأساتذة وهو الوحيد الذي يتم إرسال رسالة تكليف باسمه فقط دون غيره، وهذا خطأ كبير قد يدفع بالمديرين إلى الاعتذار الجماعي إذا لم تكن العملية مشتركة يتحمل فيها الجميع مسؤوليته بشكل متساو ومتوازن أضف إلى ذلك الكثير من الأثقال والمسؤوليات الكثيرة والتي يتحملها المدير لوحده ويتنصل الباقي من مسؤولياته في غياب نصوص قانونية تحدد مسؤولية كل طرف داخل جهاز الإدارة التربوية وبالتدرج والتساوي ، إذن في غياب هذا القانون المنظم لأدوار الإدارة التربوية لا يمكن إلا الاستمرار في العبث الإداري أو المرض الإداري أو التسيب الإداري؟