في سؤال وجه للباحث في الحركات الإسلامية محمد ظريف في إحدى الحوارات الصحفية وذلك بمناسبة بروز اسم جديد في الحياة السياسية وهو المهندس الجديد للداخلية فؤاد عالي الهمة الذي كان يعد العدة لتأسيس حزبه الجديد « الأصالة والمعاصرة « والذي صرح علانية في لقاء تلفزيوني بالقناة الثانية، أن مشروعه جاء لمواجهة المد الإسلامي السياسوي لحزب العدالة والتنمية. كان السؤال كالتالي : هل يستطيع الهمة بحزبه الجديد مواجهة حزب العدالة والتنمية ؟ وبحنكة الباحث قال ظريف:» أنه لايمكن مواجهة حزب ديني كالعدالة والتنمية بحزب سياسي كحزب الأصالة والمعاصرة». والسبب بسيط في نظري لايحتاج إلى أبحاث ودراسات لأن الأحزاب الدينية بكل أطيافها تستمد شرعيتها من السماء وخطابها من الفوق عكس الأحزاب غير الدينية والتي تستمد شرعيتها من الأرض أي من الواقع المعيش. كيف ذلك ؟ جدير بالذكر عندما نسمع عن شرعية السماء، فهذا يحيلنا مباشرة على الأعلى أي السمو والرفعة وهذا يجعلنا دون أن نفكر أو نسأل، في الخضوع والامتثال وأكثر من ذلك على الاستسلام لأن الأمر يدخل في خانة القداسة ولا شيءغير القداسة. وهنا يصعب الأمر في مواجهة أو مساءلة أي جهة أو منظمة أو حزب أو حتى شخص ما يلبس حلته الدينية لأنه سيصبح ناطقا باسم السماء مستمدا ثقل القداسة وكراماتها الغيبية. وأي انتقاد أو معارضة كيف ماكان شكلها أو عفويتها من طرف التنويريين سوف يكون مصيرها الفشل والهجوم والعنف بكل أشكاله المادي واللفظي متهمين أصحابها بالإلحاد والفساد والزندقة أو خارجين عن الملة لأنهم يواجهون الله وتعاليم الله المقدسة على حد تأويلهم.( وهي التهم الجاهزة في كل نزال أو حوار فكري). ولايقف الأمر عند هذا الحد، فقد تبدأ الجهات الدينية في الإعلان أنها مستهدفة وأن هؤلاء الظلمة الكفرة يعلنون الحرب على الله. إن الله هو المستهدف الأول في لعبة المواقع والوجود، فيبدأون في الصراخ والعويل والتهديد. فتدق طبول الحرب بكل أشكالها الوحشية ودائما لوجه الله،(الله الضحية ) ويتم الإعلان رسميا أن الدين في خطروالمجتمع سيسقط حتما في الهاوية . وهنا حتى لا نقع في فخ من يحاولون تصوير مشكلتنا الكبرى نحن المسلمين بالفطرة في رقبة الدين نطرح السؤال التالي : هل المشكل في المغرب مشكل ديني ؟ أم مشكل عدالة اجتماعية ؟ قد يقول القائلون من المتكلمين باسم الله، أنه لو طبق الدين الإسلامي تطبيقا سليما لتحققت العدالة الاجتماعية بحذافيرها ومات الفقر موتة جيفاء وهنا أجدني متفق تماما مع هذا الطرح ولكن شريطة أن نسأل سؤالا مضادا كجواب وهو : من يوم وفاة الرسول الأعظم محمد(ص) هل تحققت عدالة اجتماعية ؟ ولا ننتظر أحدا أن يذكرنا بالمآسي والنكبات والاغتيالات في تاريخ الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا . كما لايجب أن يغيب عن ذهننا أنه من يوم اجتماع الصحابة في سقيفة ساعدة بعد وفاة الرسول(ص) لم يتحدث أحد من الصحابة عن الدين أو شكل التدين وإنما عن السلطة والحكم وأصوله. ويمكن العودة لعالم الأزهر «علي عبد الرازق» في كتابه الرائع « الإسلام وأصول الحكم « وهو ابن الدار والذي تم طرده من الأزهر شر طردة بسبب تشريحه القاسي لهذه المرحلة من تاريخ الإسلام. ونعود لبلدنا العزيز المغرب، ونطرح السؤال التالي : هل سبق يوما للمحاكم المغربية أن حكمت في واقعة خصام أو ضرب أو ماشابه ذلك بين طرفين مغربين بسب موضوع الدين ؟ الجواب بالقطع أنه لم يثبت أن تشاجر المغاربة حول الدين أو التدين، فهم يذهبون للصلاة جماعة إلى المسجد وعندما يقترب شهر رمضان تتم التعبئة للإكثار من قراءة القرآن والبحث عن منافذ الغفران وعندما ينتهي الشهر بسلام يبدؤون في طقس الزكاة وبعدها الحج لمن استطاع إليه سبيلا. وكل ذلك يمر في جو من الخشوع والتسامح والتآزر والتآخي من الرجال والنساء في اختلاط تام ولم نسمع يوما أن هذا الاختلاط والاحتكاك نتج عنه تحرش أو عمل فاحش. إنهم يعبدون الله بالفطرة والطبيعة والتلقائية دون تدخل أي جهة أو مؤسسة كيف ماكان لونها . ولم نسمع يوما أن هناك مغربيا سب مغربيا أو عارضه أو توجه له بالنقد أو القذف لأنه ذاهب للمسجد للقاء ربه. ونثير انتباه المتكلمين باسم الله، أن جل الشجارات والصراعات والجرائم التي تحدث بين المغاربة سببها المباشر المال والشرف والأراضي والماء للسقي واللائحة طويلة، يعني أن المشكل في أغلبه مشكل اقتسام الثروة وتوزيعها العادل، يعني أن المشكل أرضي ومادي واقعي وحياتي وليس سماوي و أخروي. وهنا يجب الإقرار بأن السؤال الديني هو سبب الأزمة وأم الشرور بالمغرب هو مجرد خدعة وخرافة، هو سؤال للتحريف والتزييف ولهذا يتم تقديمه في طبق من ذهب من طرف الأوليغارشية التجارية( في الدين والسياسة والاقتصاد والإعلام والمال والأعمال...) المستفيدة من المواقع وخيرات المغرب على أنه مشكل المشكلات بالنسبة للمغاربة . وكما يقول الشهيد عمر بن جلون « إن أخطر أنواع الاستيلاب هو التضليل «. وهذا مايتم العمل به بشكل ممنهج من طرف هذه القوى المسيطرة. وفي نظرنا، فغياب أي تعاقد حقيقي مبني على مسلمات من الأرض( وهي الحقوق الفطرية والطبيعية للإنسان والفصل بين الدين والدولة) واستحضار لدولة القانون بين الحاكمين والمحكومين وليس دولة الأشخاص فإن الخطاب الديني المنحرف سيزداد انتعاشا وسيكبر ويتشدد ويصنع الموت في كل مكان. الوصفة التي يتم تغييبها قهرا لعلاج كل الأعطاب التي يعاني منها المغاربة هي تحقيق الديمقراطية على الأرض ، هذه هي الحقيقة، أما أسرار السماء فعلمها عند الله. * باحث في العلوم السياسية