هناك زَخَمٌ لا ينتهي من الأخبار عن الوضع في سوريا، مما يعطي الانطباع بأن الرأي العام، سواء في هذا البلد أو خارجه، يتوصل بالمعطيات الكافية، من أجل تكوين وجهة نظر وقناعات، حول تطورات الحرب وحقيقة القوى المتصارعة... غير أن الواقع مختلف عن هذا الانطباع. منذ بداية الصراع في هذا البلد، برز ما يسمى ب»المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي احتكر تقريبا، كل ما يروج في هذه المنطقة، وأصبح هو المرجع الرئيسي الذي تستند إليه وكالات الأنباء والقنوات والمحطات الإذاعية. غير أن الفكرة الأولى التي تقفز إلى الذهن، هي أن هذا المرصد يتواجد في منطقة النزاع، أوعلى الأقل قربها. والحقيقة هي أنه يوجد في لندن، يديره، ظاهريا، شخص يمارس مهنة غير الصحافة، وهو ليس متفرغا للعمل الحقوقي. فكيف تأتيه الأخبار وكيف يتأكد منها، قبل نشرها؟ إذ من المعلوم، في كل الأحداث، أنه من الصعوبة بمكان، الاعتماد على مصدر واحد، بل لابد من التعرف على المصادر الأخرى المختلفة، وإخضاع جميع المعطيات للفحص والتدقيق، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بنزاع مسلح. ودون أن نسقط في التشكيك المنهجي لكل ما يُرَوِّجُهُ هذا المرصد، فإن ما يمكن قوله، هو أن معطياته غير كافية لتكوين وجهة نظر قريبة من الحقائق التي تدور فوق الأرض، خاصة وأن ما ينشره يسير في اتجاه واحد، معاد بشكل مطلق للنظام السوري. أما في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، فيظل الصحافيون خاضعين للتكييف والعمل الدعائي، ونفس الأمر بالنسبة للنظام السوري، فهو لا يختلف عن كل الأنظمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بنزاعات مسلحة، حيث تخضع كل المعطيات، التي تنشرها الصحافة والإعلام، لغربلة دقيقة، أما قدرة الصحافيين على التحرك، بشكل مستقل، فتكاد تكون منعدمة. لذلك، فإن «زخم» الأخبار عن سوريا، ليس سوى ضبابٍ سميكٍ، يلف الحقيقة، أي كيف يعيش الناس، في حياتهم اليومية، سواء في المناطق التي يهيمن عليها النظام أو الجماعات المسلحة، من يدير هذه الحرب المدمرة، ما دور القوى العظمى في ترجيح موازين القوى، ما هي مخططاتها حول مستقبل المنطقة؟ كل هذه الأسئلة تظل بدون جواب، رغم التخمة في الحديث عن سوريا.