قال الحبيب المالكي رئيس مركز الظرفية إن المغرب في أمس حاجة إلى مراجعة نموذجه الاقتصادي بما يضمن و تيرة نمو مستقرة ومستدامة. وأوضح المالكي، خلال افتتاحه صباح أمس للملتقى ال 22 لمركز الظرفية بالدارالبيضاء، أن نموذج النمو الاقتصادي ، الذي اعتمده المغرب منذ مطلع الألفية ، قد استنفد قوته ولم يعد قادرا على ضمان وتيرة نمو منتظمة . و لاحظ المالكي أن معدلات النمو التي يحققها الاقتصاد الوطني فقدت التوازن و فقدت معناها بعدما صارت متذبذبة ، حيث انتقل متوسط معدل النمو من 2.8 في المائة خلال عقد التسعينيات إلى 4 أو 5 في المائة خلال العشرية الأولى من القرن قبل أن يعاود النزول إلى 2.9 إلى 3 في المائة خلال النصف الأول من العقد الحالي.. واستنتج المالكي ،الذي كان يتحدث أمام حضور وازن من الفاعلين الاقتصاديين ، أن الاعتماد على الطلب الداخلي وحده، في هذا المحيط الدولي، لم يعد كافيا لوضع الاقتصاد على سكة نمو متوسطة القوة ولكن منتظمة السرعة. وفي هذا السياق، اعتبر رئيس مركز الظرفية ، أن التحولات العميقة التي يشهدها النمو الديمغرافي بالمغرب ، والتي تتسم بالتنامي السريع لساكنة المدن مقارنة بالبوادي ، وتحول مركز القوة إلى الحواضر، تحتم تغيير تمثلات و مقاربات النمو من البعد الزمني الضيق، الذي لا يكاد يتجاوز سقف قانون المالية، إلى أفق زمني أرحب ، متوسط وبعيد المدى . ولذلك تم اختيار موضوع الملتقى حول «المغرب في أفق 2030 ، أي مسالك للنهوض؟ و أي سيناريوهات ممكنة للنمو». ونبه الخبير الاقتصادي، بالمناسبة ، إلى أن تأخر المغرب اقتصاديا هو تأخر صناعي بالدرجة الأولى ، حيث تراجع دور الصناعة في خلق القيمة المضافة ، بل إن هناك من يتحدث عن تقهقر صناعي بعدما تراجع القطاع بنقطة أو نقطتين من الناتج الخام. ومن الأسباب ، أيضا، التي تحتم ضرورة إعادة النظر في نموذج النمو الاقتصادي للبلاد – حسب المالكي – ما أفرزه اقتصاد العولمة من طغيان التجارة الحرة في العلاقات و المبادلات التجارية على حساب الكلفة الاجتماعية ، حيث تغيرت قواعد الحرب الاقتصادية الشاملة التي لا يمكن الاستمرار والصمود فيها ، إلا باقتصاد مبني على التصدير. وجوابا عن هذه الانشغالات ، يطرح رئيس مركز الظرفية مفهوم « النمو الممكن « الذي فرض نفسه منذ الأزمة الاقتصادية ل2008 كمفهوم اقتصادي يتوخى الإشراك والمساهمة القصوى لاستغلال كل هوامش النمو المتاحة ، وهو الطرح الذي يقترحه المركز المغربي للظرفي كنموذج جديد للإقلاع الاقتصادي في بلادنا. ومن هذا المنطلق، يعتبر أستاذ الاقتصاد أن الصناعة الوطنية يمكنها أن تلعب دورا كبيرا في دفع النمو الاقتصادي بعيدا ، كما أنه بدون صناعة يستحيل الحفاظ على وتيرة نمو مستقرة. وهنا تفتح إمكانيات هائلة للتصنيع في المدن المتوسطة ، التي من شأنها أن تشهد انبثاق طبقات متوسطة قادرة على تحريك السوق الداخلية ودعم الطلب. من جهته، قال مولاي حفيظ العلمي ، وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة ، إن الصناعة تعتبر بالفعل المحرك القوي للنمو، و أن المغرب بإمكانه أن يصبح مصنعا صغيرا للعالم إذا ما أحسن استغلال الفرص المتاحة أمامه لبناء صرح صناعي قوي. واعترف العلمي بأن المغرب قد فقد صناعات خلال صعود الصين التي تحولت إلى مصنع للعالم، بعدما امتصت العديد من الأنشطة الصناعية ، غير أن خسارة المغرب في هذا المجال لم تكن كبيرة بقدر ما تكبدته دول أخرى .. ألمانيا وحدها صمدت ورفضت إعادة التوطين. ومع ذلك يرى مولاي حفيظ العلمي أن التصنيع في المغرب يسير رغما عنا، وأضاف " لا يمكن القول إن النسيج الصناعي المغربي هش ومعرض للاندثار" . وأبرز العلمي أن من نقط الضعف التي تعترض الاقلاع الصناعي في المغرب ضعف التكوين والتأهيل . وانتقد الوزير دور المؤسسات التكوينية والجامعات التي لم تستطع بعد مسايرة حاجيات السوق الوطني من مهندسين وتقنيين.. و اعتبر الوزير أنه كثر الكلام حول "التكوين من أجل التشغيل" دون تحديد الحاجيات والأهداف بناء على دراسات وإعداد دفاتر تحملات دقيقة تعكس الحاجيات الحقيقية للمهنيين. ودعا وزير الصناعة و التجارة إلى استغلال الظرفية التي يمر منها الاقتصاد الصيني اليوم. و قال إن الصين تبحث عن إعادة توطين خارج بلدها، وأن التحولات التي تعيشها الصين إرادية ومخطط لها، حيث تمت الزيادات في الأجور ثلاث مرات في السنة من 100 إلى 700 دولار وستصل إلى ألف دولار وهو ما بدأ يضعف من القدرة التنافسية للتنين الصيني ، حيث يتوقع أن تفقد الصين 85 مليون منصب شغل، وهو ما يدفعها للبحث عن مناولين جدد، وأضاف "نريد منها حصة، ونريد أن نعمل مع الصين وليس ضدها". وتحدث الوزير عن مخطط الاقلاع الصناعي. وأوضح أن التصنيع، ستنتقل حصته من 14 في المائة حاليا إلى 23 في المائة في 2020 و أن الدولة ستضخ في صندوق التنمية الصناعية 3 ملايير درهم في السنة و ستعبئ 1000 هكتار من الأراضي لخلق 40 منظومة اقتصادية في 10 قطاعات . وافتخر العلمي بالأداء الجيد لقطاع السيارات الذي حقق حتى الآن نسبة إدماج في حدود 30 في المائة، ما مكن من وصول 50 مليار درهم من الصادرات. ووعد العلمي بمضاعفة هذا الرقم قائلا "مع دخول بوجو وفورد وآخرين سنصل إلى 100 مليار من الصادرات في 2020 ونسبة إدماج 65 في المائة، أي أن القيمة المُضافة للقطاع ستبلغ 65 مليار درهم بدل 18 مليار درهم حاليا".