تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    نسبة مشاركة ضعيفة بزاف فالانتخابات الجزئية ف"دائرة فاس الجنوبية".. موصلاتش حتى ل4 فالمية    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    ميارة يتطلع لفتح آفاق جديدة للتعاون الثنائي مع البرلمان التشيكي    التعليم رجع كيغلي فوق صفيح ساخن. ملف الأساتذة الموقفين غادي بالقطاع لأزمة جديدة وسط رفض نقابي لتوقيع عقوبات ضدهم    وزير خارجية سيراليون : العلاقات مع المغرب بلغت "مستوى غير مسبوق"    صديقي أمام المؤتمر الوزاري لمبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية: خاص الخدمة لمواجهة أزمة المناخ اللي كتهدد الفلاحة    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    لابيجي فالشمال طيحات شبكة كتروج الكوكايين    وهبي لوزيرة العدل ديال الساو تومي فاجتماع دولي: تكلمي السيدة الوزيرة أنت كإمراة عندك الحق تتكلمي عشرين مرة    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    بنسعيد يبحث ملف الزليج المغربي بجنيف    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    تهمة الاتجار في عملات أجنبية بدون ترخيص تطوق عنق الناصري وبعيوي    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    النقابة الوطنية للعدل تشل محاكم المملكة وتتهم وزارة العدل ب "الغش"    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    مسيرة شعبية بمدينة تطوان تضامنا مع أهل قطاع غزة والشعب الفلسطيني    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    الأقمصة الرياضية التي أرعبت السلطات الجزائرية!    وزير الزراعة والأمن الغذائي بنيجيريا: "نرغب في تعميق علاقات التعاون مع المغرب في المجال الفلاحي"    بسبب انقطاع شلّ مرافق مقاطعة مرس السلطان.. الداخلية تمنح بودريقة أسبوعا لاستئناف مهامه    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    حنان حمودا تصدر طبعة ثانية لكتاب "الماء وصناعة المقدس: دراسة أنتروبولوجية لبنيات المجتمع الواحي بالمغرب"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الفلاحة المستدامة.. القرض الفلاحي للمغرب والوكالة الفرنسية للتنمية يوقعان اتفاقيتي قرض    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الموت يفجع زوج دنيا بطمة السابق    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    الاتحاد المصري يستدعي المغربي الشيبي    سباق النصر النسوي يطفىء شمعته ال 14 يوم الأحد المقبل وسط أجواء رياضية واحتفالية    القميص ‬البرتقالي ‬يمرغ ‬كبرياء ‬نظام ‬القوة ‬الضاربة ‬في ‬التراب‬    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)    ماذا نعرف عن كتيبة "نيتسح يهودا" العسكرية الإسرائيلية المُهددة بعقوبات أمريكية؟    ادعاء نيويورك كيتهم ترامب بإفساد الانتخابات ديال 2016    بطولة إيطاليا-كرة القدم.. "إنتر ميلان" يتوج بلقبه ال20        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟    أسامة العزوزي يسجل في مرمى روما    الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    الأمثال العامية بتطوان... (577)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التدبير السياسي للجسد في الإسلام .. 21
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 06 - 2016

لقد صارت موضوعة الجسد تستقطب اليوم اهتماما بالغا في الفكر الفلسفي والعلمي، ليس لأنها كانت موضوعة خارج التقليد الفلسفي والديني، وإنما بالنظر إليها من زوايا علمية متعددة، كالسوسيولوجيا، والأنثربولوجيا، والتحليل النفسي، والسيميولوجيا والأدب... ونحن هنا، لا نود الانخراط في تاريخ الجسد، ولكننا نرغب في الإشارة إلى أهم القضايا التي أثيرت حوله. ونعني ثلاث محطات رئيسة وهي: الفكر الفلسفي، والفكر الديني، وأخيرا الفكر العلمي. والوقوف عند هذه المحطات يشكل بالنسبة لنا خريطة طريق لملامسة واختراق الإشكالية البحثية التي اقترحنا النظر إليها. وهي محطات تشكل استئناسا أوليا لموضوعنا.
لا عجب إذن أن تكون العلامات الأولية للنبوة ظاهرة على الجسد، ولأنه كذلك فإن الجسد النبوي سيكون مثالا وأنموذجا للإنسانية وليس للإسلام فحسب، جسد يتحدد وفق طقوسه وشعائره، وهي كلها أوامر إلهية يقوم بتنفيذها النبي دون مساءلتها، أوالبحث في ماهيتها، إنها لا تقبل سوى تصديقها ونشرها على المؤمنين والتابعين لدينه، ولأن النبي هو المؤسس لجغرافية الإسلام، فإن ذلك يتطلب تبيئة الإسلام في شبه الجزيرة العربية عبر تربية وتعليم المسلم الشعائر الدينية، إن خيال المجتمعات التي اخترقها الخطاب القرآني وترسخ فيها يستمد شكله وحيويته من هذا الخطاب بالذات. ذاك أن المعارف التوضيحية والمعيارية الصادرة عن الله والتي نقلت وطبقت من قبل النبي ليست محفوظة عن ظهر قلب ومستشهدا بها فقط، وإنما هي ملتحمة بجسد كل مؤمن (وبالمعنى الفيزيائي والحرفي للكلمة)، وذلك نتيجة للممارسات التعبدية والشعائرية اليومية التي يقوم بها المؤمن وحيدا أو ضمن الجماعة .
واضح إذن العبور الذي شكله النبي، والخطاب القرآني، من مرحلة ما قبل إلى ما بعد، من مرحلة الجاهلية إلى الإسلام. وهذا العبور لا يتأتى إلا بتدبير محكم للجسد عبر تشكيله في أشكال متعددة سواء في البيت أو في الخارج، في علاقة الجسد بذاته، وفي علاقته مع الآخرين، في المسجد أو في أمكنة أخرى. إن نبي الإسلام قد بنى هذا الجسد حتى في جزئياته البسيطة، كالتغوط، والتبول، والنكاح وغيرها كثير. إنه تشريع معماري للإنسان المسلم داخل منظومة دينية واجتماعية وثقافية. وبما أن نبي الإسلام شكل أنموذجا مثاليا، فقد قام بتدبير جسد المسلم حتى يكون في كامل نقائه أمام الله، وهنا نعود إلى حديث نبوي ‹‹ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره›› . إن محو الخطايا لا يتأتى إلا بذكر الله، وأن ذكر الله لا يستقيم إلا بنقاء جسد المسلم. لهذا تكون طهارة الجسد إحدى المقومات الرئيسة لطرد الشيطان بما هو خطأ، وأن تطهيره يكون باسم الله، هاهنا يعيدنا الحديث إلى ثنائية المقدس والمدنس مرة أخرى، ما دام كل طرف من الثنائية ينجذب إلى نقيضه. صحيح أن مسألة تدبير الجسد عبر تطويعه، وإخضاعه لله مسألة تتم منذ الولادة، بل قبلها، فإذا كان الله يحب الجمال، فإن المسلم وجب عليه الاحتفاء بالجمال، وليس بالقبح، وبالمتعة وليس بالحزن، وهذا ما يعبر عنه بأن الله جميل يحب الجمال، لقد صاغ النبي تقعيد هذه الرؤية الإلهية عبر حثه للمؤمنين بأن يعطوا قيمة لجسدهم في نقائه، في لباسه، في كل ما يتعلق به، وهذا ما يفيده قوله: ‹‹إنّ أفواهكم طُرق للقرآن فطيبوها بالسواك›› ، بالإضافة إلى مجموعة من الأحاديث التي تظهر ذلك، بطريقة تفيد تقيده، خاصة بالنسبة للنساء. فالنساء كما تبين النصوص الدينية وكما هو مرسخ في المتخيل الجماعي عند العرب، فتنة، ولأنهن كذلك فإنهن يخلقن الفوضى والحرب في الحواس، ثمة نصوص –سنعود إليها في الباب الثاني من هذا البحث- تبين ذلك، وتروم حجب المرأة كليا، باستثناء الطاعنات في السن، بل حجب صوتهن كأن الصوت إغراء، وكأنه إسقاط آخر في الخطأ، وهذا ما تشير إليه مجموعة من القصص التي حدثت للنبي.
في القرآن يظهر الجسد، لكنه سرعان ما ينكشف بشكل إجرائي في السنة، فالعلاقة بينهما (بين النص القرآني والحديث النبوي) علاقة تبليغ، من مرسل إلى مرسل إليه. وقد نستثمر ما قاله هشام جعيط بوضوح ‹‹إن هدف الدين الإيمان، والإيمان معنيان: الإذعان الحر لما أتى به الدين وتصديقه في كل أمر، ومنح الثقة للمؤسس في أن قوله هوالحق، وهي كلمة تتردد في القرآن. فليس النبي بفيلسوف أو حكيم يبحث عن الحقيقة، بل صيغة التأكيد، ووسيلة التبليغ، ومطلبة التصديق. فهو انما يتلقى الوحي بصفة سلبية، فلا يجادل فيما تلقاه ويبلغه كرسول. والرسول غير مسؤول عن محتوى الرسالة›› .
لا غرابة إذن أن تفتح هذه العلاقة النصية بين الكتاب المقدس والنبي قراءات متعددة والتي سيتم بمقتضاها توسيع الأفق التأويلي للجسد. إن القراءات تلك في تعددها واختلافات مرجعها، والأفق الانتظاري لها، هي ما تضعنا أمام تماس حقيقي لإشكالياتنا الرئيسة في هذا البحث، إن اتساع رؤية المؤول حسب ظرفيته ومقامه ومرجعه وخلفياته أعطى ثراء معرفيا للجسد، ولأننا لا يمكننا المكوث في المكتبة التراثية زمنا طويلا أو أطول مما تبقى من العمر، فإننا سنقتصر على تصورين مختلفين، واحد لحجة الإسلام أبى حامد الغزالي، والآخر لمحيي الدين ابن عربي.
3 – الجسد عند أبي حامد الغزالي:
يعود اختيارنا لأبي حامد الغزالي إلى عدة مبررات: أولها إلى وثاقة رأيه، وشساعة إطلاعه على الثقافات الرائجة في عهده، وثانيا لكونه مهندسا موسوعيا محافظا، والأدهى من ذلك حجة للإسلام. إنه حجة زمنه. وعلامة فارقة في تاريخ الفكر الإسلامي. ليس لأنه أقام جدالا فكريا مع الفلسفة، وليس لأنه قام – في أخرياته – بنقد ذاتي لمساره الفكري، وإنما لكونه أقام الحدود الصارمة بين المباح والمحظور. من هنا نستشف قيمة حجة الإسلام، حجة بنت دعاماتها على ثلاث مرجعيات كبرى وهي: النص المقدس والفلسفة اليونانية، والتصوف. وتتشابك هذه المرجعيات مؤسسة نظاما فكريا يبتغي الوسطية والاعتدال في كل شيء. فالناظم الرئيسي لهذا المفكر هو الأخلاق، كأن هذه الأخيرة هي البنية المركزية في رؤية المسلم إلى العالم. رؤية لا تكتمل معالمها ولا تصير واضحة إلا في تتبع خاريطة الطريق التي هندسها بمنطق استدلالي.
حقا إن موضوعة الجسد قد استقطبت اهتمام المسلمين: ولا يتعلق الأمر بما رسمه القرآن، والحديث النبوي فقط وإنما بالتأويلات التي خلفتها النصوص المؤسسة للإسلام. فثنائية الجسد والروح ثنائية ما انفك التاريخ الإنساني ينظر إليها منذ الإغريق تنبني على الأفضلية والتراتبية.
نظر الغزالي إلى ثنائية الروح والجسد نظرة تفاضلية، فاعتبر الروح ذات أولوية، والجسد أدنى قيمة، فالجسد ليس سوى جسرٍ للحياة الأخرى، حيث الروح تستقر في العالم الأخروي، هنا نحن أمام ثنائية أخرى وهي الحياة والموت، فالحياة ليست لها قيمة، إنها الجسر الممدد في الزمان والمكان للوصول إلى الغاية الكبرى، هكذا تتشكل ثنائية الجسد والروح في الأفضلية والتراتبية، ذلك أننا لا يمكن الحديث عن الجسد إلا بربطه بالروح، وكأنه لا يستقيم إلا بها. من هنا تبلورت العلاقة بينهما فلسفيا ودينيا. فعلى المستوى الأنطلوجي احتل الجسد المرتبة الثانية بعد الروح، السلبي في التراتبية الأخلاقية، والنسبي في التراتبية الجمالية. لقد رسخت الفلسفة اليونانية منذ أفلاطون، هذه التراتبية بتمثيل واضح، فأفلاطون مثلا يشير إلى ذلك من خلال مثال بديع، يتعلق بعربة يسوقها رجل. وهو بمثابة النفس العلوية ذات العلاقة بالعالم السماوي، بينما الأحصنة، واحد أبيض والآخر أسود، الأول يحيل على الحياة و الثاني على الموت. فعملية التناغم بين الحصانين تروم العدالة والنظام، وإذا اختل التوازن ستحصل الفوضى والتيه والفقدان. ألا يمكن تطبيق هذا المثال الأفلاطوني على وجهة نظر حجة الإسلام؟ يمكننا ذلك خصوصا إذا ما ربطنا خطاب الغزالي بالمقدس الديني.
لا غرابة – إذن – أن تكون موضوعة الجسد ذات أهمية بالغة في الثقافة الإسلامية، لا نعني علاقة الجسد بالروح فحسب، بل بالنظر إلى الجسد في حاجاته المتعددة. لقد اهتم الفقهاء بهذا الأمر بشكل مثير، خصوصا حين الحديث عن المرأة والشهوة، والجنسي، واللذة... إلخ، من قبيل ابن داود الظاهري (المتوفى سنة 297 ه) في كتابه "الزهرة"، وابن حزم (المتوفى سنة 456 ه) في كتابه "طوق الحمامة"، وابن قيِّم الجوزية (المتوفى سنة 751 ه) في كتابيه "أخبار النساء" و"روضة المحبين". إنّ هذه الكتابات وغيرها تحيل على المسكوت عنه في الفقه الإسلامي، ذلك لأن هذا الأخير في حدوده، شكل سلطة في المجتمع والدولة، مثلما اعتبر مرجعا لتدبير وتطويع الجسد في علاقاته بالرغبة، والشهوة، واللذة، وما إلى ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.