أصدرت «حلقة أصدقاء باهي»، تحت إشراف عباس بودرقة، الأعمال الكاملة للفقيد محمد باهي: «رسالة باريس: يموت الحالم ولا يموت الحلم»، ويضم الكتاب، الذي تم تقديمه بمناسبة الذكرى العشرين لوفاته، خمسة كتب استعرض خلالها المؤلف شهادته على العصر، وقدم لنا تحاليل غاية في الموسوعية.. في ما يلي نختار لقراء «الاتحاد الاشتراكي» أوراقا من ذاكرة محمد باهي، لنستعيد تلك الثقافة السياسية التي كانت يتمتع بها واحد من صانعي السياسة في بلادنا، وواحد من الذين تحصلت لديهم الخبرة والذكاء، واستطاعوا أن يقدموا لنا قراءة في قضية الصحراء، وفي امتداداتها وتعقيداتها والمساهمين الفعليين في ذلك.. هو هيئة علمية متخصصة تم إنشاؤها في مطلع سنة 1985 بمبادرة من مجموعة من الخريجين والجامعيين المغاربة يوجد مقره بمدينة أميان شمال فرنسا. وقد استطاع هذا المركز خلال الفترة الزمنية القصيرة التي مرت منذ تكوينه حتى الآن أن يكسب احترام عدد من المؤسسات الجامعية وأن يتعاون معها في تنظيم جملة من الأنشطة الثقافية حول قضايا تهم الدول العربية المطلة على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. هكذا نجد أن المركز افتتح نشاطه في الأسبوع الأول من شهر مارس 1985 بإقامة ندوة حول «الهجرة وإشكالية العودة» بالتنسيق مع رابطة «لايفني» لتعليم وتكوين العمال المهاجرين. وقد شارك قي تلك الندوة عدد كبير من تنظيمات وروابط المهاجرين من المغرب والجزائروتونس وإفريقيا السوداء، ومندوبون عن بلديتي أميان وآراس وأعضاء من مجلس النواب الفرنسي وأعضاء من البرلمان الأوروبي، وجامعيون وباحثون وسياسيون من الجزائروتونس والمغرب، ودارت أشغال هذه الندوة الأولى حول ثلاث محاور هي أولا : الهجرة والأزمة الاقتصادية، ثانيا : سياسة العودة، ثالثا : الإشكاليات المرتبطة بالعودة (التحولات الصناعية، أبناء العمال المهاجرين، الأوضاع الاقتصادية للبلد الأصلي...) وقد وَزَّعت اللجنة التحضيرية المشرفة على اللقاء، في تلك المناسبة نصا جاء فيه : «إن سبب هذه الدعوة-المبادرة هو كون مسألة المهاجرين، أصبحت في صلب الحوار السياسي الأوروبي الداخلي من جهة، كما أنها صارت العمود الفقري لسياسة معالجة مشكلة البطالة المتفشية بأوروبا التي تحاول التفتيش عن حل سهل يكون فيه المهاجرون الضحية المطلوبة. والغاية من اقتراح مشاكل الهجرة من زاوية المحاور الثلاثة هو تبادل الآراء، حول الحلول المقترحة وإبراز خطورة الخطاب السائد عن المهاجرين». وفي ختام تلك الندوة أصدر المشاركون بيانا ألح على : «ضرورة بلورة سياسة جديدة في ميدان الهجرة تنبني على ضمان حرية الاختيار للمهاجرين وعلى مساهمتهم في صياغة هذه السياسة الجديدة. وإذن فإنه يتعين على البلدان التي يقيم بها المهاجرون أن تضمن تكوينا مهنيا للعمال متكيفا مع أوضاع البلد الأصلي، مثل تعليم اللغة والثقافة الأصلية للأبناء حتى يسهل إدماجهم في مجتمعاتهم، ومثل الحفاظ على حقوقهم الاجتماعية المكتسبة، فيما يتحتم على البلدان التي قدموا منها أن تخلق الشروط الضرورية الكفيلة بتسهيل إعادة إدماجهم بعد العودة». الندوة الثانية التي نظمها المركز (في الفترة من 30 نوفمبر إلى 1 دسمبر 1985) بالتعاون مع شعبة الاقتصاد في جامعة منطقة البيكاردي وبلدية مدينة أميان وبدعم من مركز دراسات الوحدة العربية الذي يوجد مقره ببيروت وتشرف على إدارته شخصيات علمية عربية عديدة، هذه الندوة الثانية كان عنوانها : «وحدة المغرب العربي». وقد تناولت أربعة محاور هي : البعد التاريخي لشعار وحدة المغرب وتضمن خمس مداخلات : فكرة وحدة المغرب العربي في مرحلة النضال ضد الاستعمار للأستاذ محمد عابد الجابري الفضاء الاجتماعي التاريخي المغاربي للأستاذ محمد أركون النخبة وفكرة وحدة المغرب العربي للأستاذ علي أومليل التداخلات الأيديولوجية بين وحدة المغرب العربي والوحدة العربية للأستاذ الطاهر لبيب التمثيلية الاجتماعية للمغاربيين بين الخطاب والممارسة للأستاذ نذير معروف البعد الاقتصادي والاجتماعي لوحدة المغرب العربي : آفاق مغاربية وبرمجة النمو الاقتصادي والاجتماعي للأستاذ محسن التومي. المغرب العربي بين تجربة السوق الأوروبية المشتركة وشروط الاندماج الاقتصادي للأستاذ نجيب المنوزي. اقتصاد بلدان المغرب العربي : التكامل وتكييف الهياكل للأستاذ الحسين بوطعام وصلاح الدين المنوزي المراهنات الإستراتيجية لوحدة المغرب العربي : الأسس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لوحدة المغرب العربي للأستاذ بشير بومعزة. المراهنات العربية الإفريقية للأستاذ ابراهيم الغويل. المغرب العربي والديمقراطية للأستاذ برهان غليون في آفاق الوحدة : الرأسمال البشري ووحدة المغرب العربي للأستاذ إبراهيم أوشلح شعب الهجرة : للأستاذ عبد الله البارودي كاتب ياسين والمغرب العربي للأستاذ الطيب السبوعي في نهاية جلسات الندوة صادق المشاركون على بيان ختامي أكدوا فيه أن موضوع الندوة لم يكن هو بناء المغرب العربي بل كان متواضعا وتمثل في كيفية إعادة بناء فكرة المغرب العربي في ضوء المعطيات والمتطلبات الجديدة مشيرين إلى أن الوقت قد حان للتفكير في الكيفية التي يتحمل بها المثقفون الشاعرون بمسؤوليتهم والذين ظلوا يتحملون حتى الآن على انفراد، أعباء النهوض بهذا المشروع المغاربي الجديد، مشروع إحياء وتطوير ونشر فكرة بناء المغرب العربي. الملاحظة الثانية : هي أن ندوة باريس موضوع هذه المراسلة، حول إشكالية العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، تخلفت عن حضورها عدة شخصيات مغربية ومشرقية كان يفترض أن تقدم فيها عروضا حول موضوعات تتصل بالهموم الثقافية للمثقفين والمهتمين بمصير منطقة المغرب العربي. لقد تغيب من المغرب مثلا كل من الأستاذين محمد عابد الجابري وعلي أومليل، ومن تونس الأستاذ عبد الباقي الهرماسي، الذي أرسل مساهمة قيمة بعنوان : «الدولة والأمة والنظام» وتغيب من الكويت الأستاذ حسن النقيب. وسجل أحد أعضاء اللجنة التحضيرية المشرفة على الإعداد للندوة، في حديث معنا أن هذا «التغيب ربما كان سببه أن الندوة الباريسية جرت في فترة الامتحانات التي يتعذر على الأساتذة الجامعيين فيها السفر إلى الخارج». الملاحظة الثالثة : انعقاد الندوة الأخيرة والندوتين اللتين سبقتاها بمشاركة عدد من الشخصيات الفكرية والسياسية المنتمية إلى أقطار المغرب العربي، وفي أجواء التوتر العام السائد منذ عشر سنوات، يشكل مؤشرا على وجود وعي لدى قطاعات واسعة من الأنتلجانسيا المغاربية، بضرورة المحافظة على حد أدنى من العلاقة والاتصال، خارج الأطر والهياكل المألوفة، والواقع أن التقليد الطيب الذي سَنَّه مركز الدراسات العربية المتوسطية، منذ نشوئه في عام 1985 حتى الآن، جعل منه نقطة التقاء للكثير من الإرادات والكفاءات التي تحاول معالجة إشكالية البناء الوحدوي، بمعزل عن ضغط الأحداث اليومية، ومما هو جدير بالتنويه أن الشبان الجامعيين المغاربة المشرفين على المراكز، حرصوا في المناسبتين الأُولَيَيْن، وأيضا في المناسبة الثالثة على توجيه الدعوة إلى شخصيات فكرية تمثل كافة تلوينات الخريطة السياسية ذات النزوع التقدمي الوطني الوحدوي في أقطار المغرب العربي الخمسة، أي موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس وليبيا. وكون الندوة الأخيرة، عُقدت بدار المغرب في المدينة الجامعية الدولية وبمشاركة مفكرين مغاربة وجزائريين وتونسيين أمام جمهور غفير من الطلاب والباحثين وأساتذة من جامعة وهران إلى ندوة ينظمها جامعيون مغاربة، في دار المغرب بباريس، وأن يتدخل خبراء اقتصاديون جزائريون وتونسيون، في قاعة الاجتماعات العامة أمام طلاب جزائريين ومغاربة وتونسيين، ليؤكدوا أن لا بديل للوحدة، وأن الوحدة هي بديل الأوضاع القائمة، فذلك حدث تاريخي ينبغي أن ننوه به لما يرمز إليه من دلالة ولما يحمله من إمكانيات يجب علينا أن نرعاها ونطورها.