صدر للناقدة المغربيةد.ة فتحيةعبد الله في جزأين منفصلين وفي طبعة أنيقة مؤلف موسوم ب « شعرية الرواية السياسية العربية خماسية « مدن الملح» لعبد الرحمان منيف نموذجا الإصدار المومأ إليه جاء 296 صفحة والثاني 290 صفحة من القطع المتوسط والمؤلف في مجمله يستهدف الإمساك بالمقومات الشعرية للرواية العربية وذلك بالانطلاق أولا من كيفية قول هذه الرواية لهمومها السياسية سواء من خلال قراءة نقدية جمالية لمكوناتها الفنية التي تضمن لها الفعالية والكفاءة الأدبية الدائمة أوغير ذلك، ومن خلاله فقط يتحقق الوصول إلى دلالتها الفكرية ومرماها الإيديولوجي وليس العكس ، كما دأب الكثير من النقاد الاجتماعيين أوالإيديولوجيين...» وحسب الدكتورة فتيحة عبد الله، فإن السؤال الأساس الذى يجيب عنه هذا الكتاب هو :هل يقرأ هذا النمط من الروايات قراءة سياسية مضمونية تستقرئ المؤشرات المرجعية للواقع في المظان النصية لهذه الروايات أم يقرأ قراءة شعرية فنية تتقرى السياسي في تلابسه بالشعري؟ وهل تحاكي الرواية السياسية الواقع فتعد وثيقة تاريخية وشهادة إدانة أو تسويغ أم أنها تبدع هذا الواقع وتعيد تشكيله وفق متطلبات الفن، وبذلك تتعالى عنه دون القطيعة معه ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، كيف تشعرنا الرواية السياسية ذاك المضمون السياسي وتبدعه بأن تخلقه خلقا جديدا يدين في –المحصلة- للفن أكثر مما يدين للسياسة؟ من هنا ، وعبر هذا الاستغوار العميق في الجسد الروائي العربي في فترة محددة في الزمان والمكان ، تخلص الناقدة للقول بإمكانية الجزم بأن الرواية السياسية عموما و العربية على وجه الخصوص هي رواية حقوقية بامتياز، ليس لأنها أي الرواية العربية عادة ما كتبت من طرف أدباء معارضين اكتووا بنار الأنظمة المتسلطة التي حاولت كتمان أنفسهم وإخماد أصواتهم بكل الوسائل الترغيبية والترهيبية ومصادرة حقوقهم في التعبير الحر المباشر. الأمر الذي حتم على الموهوبين منهم التحايل والمواربة باتخاذ الإبداع وسيلة الإفصاح عن مكنون الاعتقاد إيمانا منهم بحق الإنسان في التعبير عن الاختلاف بوسائل شتى منها النقد المبطن والسخرية والتغريب والرمز على لسان شخوص خيالية بإمكانها رفع البلية ، وتحقيق مبدأ التقية من بطش الحكام وتوسلوا –لإيصال رسائلهم التنويرية و التحريضية تلك بمختلف وسائل الإبداع شعرا ورواية ومسرحا وفنا تشكيليا وأفلاما وكاريكاتورا فحسب . بل لاعتقادهم وقناعتهم بأن ذلك أشد و أبلغ تأثيرا وأكثر وقعا على المتلقين- ولمدى زمني طويل- من الخطاب السياسي المباشر الذى عادة ما كان يصدر في شكل مقالات صحفية ملتهبة أو خطبا حماسية ثائرة أو انقلابا عسكريا حتى وهى أيضا وسائل علنية كثيرا ما لجأت إليها المعارضة. وقد أدت ثمنها باهظا في شكل نفي أو اعتقال أو تصفية أو تضييق في الحياة والرزق على المناضلين المعارضين الذين عاكسوا التيار فكان مالهم القمع والبطش والتنكيل. وتخلص- الناشطة في المجال النقابي والحقوقي إلى أن الرواية العربية كانت أكثرأصناف الإبداع الحديث تعبيرا عن أوضاع حقوق الإنسان في الوطن العربي لآنها تنهل من الواقع المعيش وتستند في رسم معالمها إلى الأحداث الواقعية وتتخذ شخصياتها من الحياة المعيشة مع قليل من التحوير والتعديل لخلق أجواء خيالية تتعالى عن هذا الواقع الذى تمتح منه و تستهدف تغييره وتثويره. وعلى صعيد آخر يمكن القول بأن الرواية السياسية العربية وهي رواية واقعية بالأساس بشتى أنماطها الوطنية والقومية والإيديولوجية ورواية السجن والاعتقال السياسي هي رواية حقوق الإنسان بدون منازع لأنها تقول هموم المواطن وتعري الواقع المتردي وتفضح المسؤولين عن ذلك سواء إبان مرحلة الاستعمار، حيث كان بطش المستعمر بالمقاومين الوطنيين الذين ناهضوا القوى الغاصبة وثاروا ضدها لتحقيق الاستقلال وانعتاق الشعب من ربقة الحجر والوصاية أو إبان مرحلة الاستقلال حيث كان السعي إلى إرساء الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمشاركة في تدبير الشأن العام عبر تحرير الإنسان من قبضة الأفكار الرجعية والتقاليد البالية التي تحد من إطلاق الإنسان لطاقته كان رجلا أوامرأة خصوصا في ظل مجتمع بطريكي لا يعترف للمرآة بإنسانيتها الكاملة ودورها الحضاري آو وهو يناضل لضمان كرامة المواطن وحقه فيعيش كريم كإنسان ينبغي أن ينعم بالأمن وبالصحة والتعليم والسكن ضد أنظمة استبدادية تنتهك كل هده الحقوق أو بعضها وقد حولت المواطنين إلى رعية وقطيع مسلوب الإرادة منقادا لهوى الحاكم طوعا أو كرها وتقدم أستاذة التعليم الثانوي التأهيلي خماسية مدن الملح لعبد الرحمان منيف كأهم نماذج الرواية العربية السياسية التي أرخت للمرحلة (القرن العشرين) الحديث منذ البدايات الأولى لتشكيل الأقطار العربية المقترنة بظهور النفط في الشرق الأوسط وإلى الثمانينات . حيث بدأت بوادر نفاد هذه الطاقة والتفكير في استبدالها بطاقات متجددة بديلة ونقية. هذا الروائي الفذ الذي استطاع بحنكته الروائية ونفسه الطويل وعمق بصيرته أن يؤرخ لمن لا تاريخ لهم، وأن يصور هذه الحيوات المتداخلة المتناقضة لأشخاص من مختلف الفئات والانتماءات والطموحات تتقاذفهم تيارات الحياة و صعوبات العيش والتحولات القسرية لأهل البادية التي فرضتها الآلة الامبريالية الغربية بتواطؤ الأنظمة المحلية والعناصر الانتهازية ( الدكتور المحملجى نموذجا) والتغيير الذى واكب إنشاء مدن الملح وما صاحبه من نجاح وأمل ثم فشل واندحار كالدكتور المحملجى او قنوط وانتكاس كشخصية متعب الهدال هذه الشخصيات وغيرها التي تحتفظبها ذاكرة المتلقي طويلا . ولقد توفق الروائي منيف حد الإبهار في تخصيب الشخصيات في ذاكرة المتلقي ، حيث عرف كيف يرسخها وينحتها كائنات حية،بما يحمله بعضها من قيم النبل والتضحية أو من صفات الوصولية والأنانية. ونجح في جعلها تشاكل مانراه في الحياة الواقعية . حيث تهدر قيم إنسانية وتصادر حقوق أساسية لأناس بسطاء لفائدة قيم جديدة وافدة تغريبية وهجينة لكائنات مادية متلهفة لا تبقى ولا تذر ، وتتخذ من أسلوب مشروع أو غير مشروع- للوصول والتقرب من الحاكم وبطانته لكن المآل يكون مظلما وتدور الدائرة على كل ظلام مراوغ، كما كان شأن مصير السلطان خزعل المعزول وتابعه الدكتور صبحي المحملجئ المنبت . وبذلك تكون فتيحة عبد لله الحاصلة على شهادة الدكتورة في الأدب العربي الحديث (2004) ومن خلال هذه الرواية النهرية قد أعادت تقديم كتابة تاريخ المنطقة بطريقة إبداعية فذة، متجاوزة ومنتقدة التاريخ الرسمي ومستشرفة لآفاق مسدودة لمدن ملحية اهتمت بالحجر وأهملت واضطهدت البشر وهذا ما سيعجل بزوالها لا محالة. جدير بالإشارة أيضا أن الدكتورة فتيحة عبد لله مسؤولة التنشيط التربوي والثقافي بنيابة زواغة مولاة يعقوب (2002-2003)- مسؤولة جهوية لمؤسسة محمد السادس للخدمات الاجتماعية للتربية والتكوين (2006-2010) سبق لها نشر عشرات المقالات بمنابر مختلفة من بينها جريدة الاتحاد الاشتراكي، كما أنها اشتغلت كصحافية بجريدة حقوق الناس الشهرية (القسم العربي).