في صمت يدعو الى التحليل والمتابعة، تبدو العلاقات المغربية المصرية على حافة القلق ورفع السؤال حول مصير الاستراتيجية المرسومة في الأوراق بين البلدين، هو صمت لا تريد فيه القاهرة خدش التاريخ المحكوم بالعلاقة المتينة بين الشعبين، والتي تجلت في مختلف المحطات التاريخية الهامة. وهي العلاقة التي تتسرب اليوم البرودة إليها بحذر يلفه مصير التنسيق المستقبلي بين حكومتين، واحدة يقودها المنتصر لرابعة مرسي في مغرب اعتقدنا فيه أننا انتصرنا للديمقراطية والحداثة عندما أوصلنا المسار بكثير من النضال في مختلف الجبهات الى محطة دستور 2011، وحكومة أخرى في مصر تخوض معركة مع الشعب المصري بعد ثورة 30 يونيو لمحاربة الظلام، محاطة بالاشتغال اليومي بنخبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والفكرية و بشبابها -الذي بدت الابتسامة تعود إلى محياه بعد قهر تجلى في سنة من حكم الإخوان - وهو اشتغال مجسد في كافة التحركات باستراتيجية لا يمكن وصفها إلا بحيوية شعب مصر ويقظته لحماية بلده. وهي حماية مشدودة إلى تاريخ مسجل في الصراع مع قوى الظلام هؤلاء الذين يسقطون بالفعل في مصر، لكن ليس بيد الجيش والانقلاب كما يتصور الكثير من ممتهني الكتابة في بلادنا، وإنما السقوط بإرادة شعب في التغيير وحماية بلد كمصر من العودة الى القرون الغابرة وبالتالي دفن كل آمال شبابه ونسائه وشيوخه ونخبه في جعل مصر موقع الإشعاع الحداثي الديمقراطي في المنطقة. ووسط هذه المعركة نبدو من موقع رئيس حكومتنا في المغرب، أننا ضد التحول الهام في انتقال بلد مصر نحو الدولة الحديثة، بل يتردد على لسان كل من التقيناهم من النخب السياسية والفكرية والفنية والاقتصادية والاجتماعية في زمن نصف شهر الذي قضيناه هناك، بكثير من الاتصالات المكثفة من موقعنا الاعلامي والسياسي، أننا محكومون بصديق مرسي وممثل الاخوان في الجناح المغاربي، وأن مصر لن تضع يدها في يد من تعتبرهم إرهابيين وقتلة وتجارا للأوطان في الدوائر الإخوانية، وأن مصر تدعو الشعب المغربي إلى رفض الظلام وطرد خدام المرشد من مراكز القرار، وأن هناك تناقضا صارخا في مغرب رفع شعار المشروع الديمقراطي الحداثي ليجد نفسه متوجها الى الخلف بتراجع كبير في المكتسبات باسم صناديق الاقتراع التي استعمل فيها الدين واسم الله وبيوته من مساجد ومنابر أبيح فيها ضرب القوى الديمقراطية الحداثية واتهامها والفساد مع إصرار فقهاء الظلام على تكفيرهم وإباحة دمهم، بل الدعوة الصريحة إلى قتلهم، في وقت تعمل الكثير من النخب المحسوبة على الفضاء التنويري الحداثي على مغازلة الظلام خدمة للمصالح الضيقة غير الواعية بخطورة هذا المنزلق الذي بإمكانه أن يعزل المغرب عن محيطه، ذلك الذي تتصدى نخبه بشكل يومي للظلام بتوجه واضح نحو المستقبل الرافض لاستعمال الدين في السياسة. هكذا ترى نخب مصر والكثير من شبابها الذين حرصنا أن نحج إلى فضاءاتهم المختلفة في الأزقة والدروب وفي الممرات والشوارع وفي المكاتب السياسية والنقابية والمدنية والدبلوماسية، لم تمنعنا في ذلك شمس القاهرة الحارة ولا صقيع ليلها المتوجه إلى الصباح الباكر في الحسين والعتبة كما في الدقي والمهندسين وفي بيوت 6 أكتوبر ومطاعمها ومقاهيها، بل اخترنا أن نستغل زمننا في مصر وأن نهجر النوم إلا بسويعات قليلة من أجل معرفة ما حدث وما يحدث، وما موقعنا كمغرب هناك. كان القليلون منهم ضد ثورة 30 يونيو، لكن الأغلبية تقول بلسان واحد:» المرشد إلى مزبلة التاريخ وعقبى لعندكم، والسيسي هو منقذ البلاد من دمار الاخوان وأهلا بالاشتراكيين والديمقراطيين في السلطة التنفيذية والتشريعية « . كما يرى المصريون أن الحرية على الأبواب وأن زغرودة 30 يونيو ستسمع في كل آذان العالم وسنقول للمغاربة في الغد القريب من أرادنا فليطرد أعداءنا وأعداء الحرية والديمقراطية من مراكز القرار التي تحمي الظلام، بل يرى المصريون أن لا تعايش مع الظلام ولا تنازل في ذلك، وأن لعبة صناديق الاقتراع انكشفت وأن إداراتها بأصبع خارجية باسم الديمقراطية فاحت رائحتها، وأن هؤلاء لا مكان لهم في فضاءات الاستقبال الدبلوماسي إلا باعتراف حقيقي بسيادة مصر على أراضيها واحترام إرادة شعبها في رفض ثقافة المرشد من أجل دولة المؤسسات. ومن هذا المنطلق حملني كل هؤلاء الذين التقيتهم أن مصر ترفض العلاقة مع المنتصر لرابعة مرسي رئيس حكومتنا عبد الإله بنكيران، ومع جماعته وحزبه وأنها تعلق الآمال على الملك الشاب محمد السادس ومعه النخب الديمقراطية الحداثية في المغرب. فاللهم اشهد إني قد بلغت.