توضأ الحاج (م. ك) كعادته ثم تدحرج في صمت وهو يمسد لحيته نحو باب العمارة الحديدي ، المترع على الدوام. كان لسانه لا يكف عن الذكر والدعاء. وحين أغلق الباب وراءه أطلقت مكبرات الصوت الآذان لصلاة الفجر الذي لم يفوت فريضته. منذ توفي والده وترك له كشكا للجرائد والطوابع البريدية يدبر به أمور الأسرة وحاجياتها المادية بدون أدنى مشاكل. جدية الحاج الذي لا يتجاوز الأربيعينيات إلا ب6 أشهر جعلته محط احترام الناس، فسخاؤه ملأ الجوار، حيث الشباب يتصفحون الجرائد اليومية دون أداء ثمنها، والفتيات يقلبن زهرة الخليج وسيدتي وللا فاطمة برفق ثم يعدنها بحساسية مفرطة الى مكانها، ولا يتردد لحظة في البيع بالسلف متى كانت الضرورة. ورغم إلحاح بعض الشباب الحاج بتوفير السجائر بالتقسيط إلا انه كان يرى في ذلك منكرا وفاحشة حتى انه حاضر يوما بباب الكشك حول التدخين ومضاره، خاصة بالأنثى التي يعتبرها عورة وعبثا. حاول بعض الشباب ملاطفته الا ان إصراره بالرفض فاق كل الحدود. بعد صلاة الفجر وترديد ما شاء له من الدعاء والذكر قصد الحاج «م ك» كشكه حوالي 5و20 دقيقة من صباح يوم الجمعة الذي له في قلبه مقاما مقدسا كشك اتسعت جوانبه لتملأ الشارع العام بعرض بعض المشروبات والمثلجات. كان الليل قد شرع في الانجلاء وفلول ضوء هارب تستطلع المكان وفيما يملأ هدير محركات الوزن الثقيل سماء المكان بين الفينة والأخرى يعم صمت كسيح الدروب العميقة لأحياء الراشدية والأدارسة والتواءات السعادة في اتجاه شارع الحسن الثاني الذي لا تضيئ شموعه منذ التدشين الرسمي له قبل 4 سنوات. حياة الحاج مع اقتراب موعد امتحانات الباكالوريا هي غيرها في باقي الأزمنة والفصول فخلال هذه الفترة يرتبك الحاج ويفتح مستودع الأ4 التي يدخرها خلال شهري مارس وماي بالأكوام تحسبا لأي احتكار أو نقص. فلا أحد غير الحاج في هذه المنطقة يعرف قيمة ورقة الأ4 والصيانة اللازمة لأربع آلات نسخ مع تزويدها بالاحتياطي اللازم الطونير، فهذه الآلة العجيبة سيأتي يوم تشتغل فيه 24على 24 دون توقف. والحقيقة أن الحاج (م ك) يجني مثله مثل أصحاب الأكشاك هاته أرباحا طائلة أيام الامتحانات من التاسعة إعدادي حتى الباكالوريا وبشكل جنيني السادس ابتدائي هذه الأيام والتي ستأتي. فطوابير الانتظار على جنبات كشك الحاج منذ السابعة صباحا وحتى وقت متأخر من الليل لا تقلق أحدا، فهي تتراص وتنتفض بين الفينة والأخرى على مرأى و مسمع من الآباء والأمهات، حتى السلطات، حيث يقف عنصر القوات المساعدة كي يأخذ نصيبه من الورق وفق ما هو مدون في وصفة قدمها له ابنه ذي 16 ربيعا. الكل ينتظر نصيبه كما لوكان زمن البون ولا أحد يعتقد أن الأمر يحتاج إلى قلق أو سببا في إزعاج السلطات و القانون. قال أحد الآباء منزعجا لماذا تدابير زجرية ضد الحاج وأمثاله. ليس غشا ما يقوم به هؤلاء. إنهم يقدمون لنا مساعدة لن ننساها لهم ما حيينا... وأضاف بنبرة تحد: كل أشكال الغش موجودة بالبرلمان وبالحكومة... لن نقبل بأي مس ضد أصحاب الأكشاك الذين يقومون بتسهيل عملية النجاح لفلذات أكبادنا الغش.. لن نقبل. في هذا الوقت تحديدا أصدرت وزارة التربية الوطنية والتعليم تدابير غير مسبوقة في مجال محاربة الغش بامتحانات الباكالوريا، وركزت خصوصا على وسائل التكنولوجيا الحديثة من هواتف نقالة و حواسب و لوحات كفية، و غيرها من الاختراعات العلمية التي تفنن الطلبة المغاربة في تغيير المسار الذي اخترعت من أجله مستبعدة الطرق التقليدية وأساليب الحاج (م ك) وأمثاله. وعلى الرغم من أن العاملين في مجال التعليم يتلقون هذه التدابير بالكثير من الارتياح المشوب بالملل والروتينية لكونها ظاهريا ستسهل عليهم عملية الحراسة و التقييم الموضوعي للتلاميذ.. إلا أن خبرة التلاميذ ودهاءهم حتى لا نقول ذكاءهم جعلهم يستبدلون الوسائل التقنية الحديثة بالوسائل التقليدية في الغش، أشرطة من الورق نسخت المقررات بشكل مركز ... تاريخ وجغرافيا وفلسفة وعلوم.... و تفنن الحاج وأمثاله من مالكي الفوطوكوبي في إعداد مقررات لكل مستوى على حدة مرقمة وسهلة الاستعمال حيث أصبح بيعها يقترن لدى بعض الآباء الأميين بالحصول على الباك هكذا من دون عناء أوتعب الآن نريد أن فهم فإذا كان ما يقوم به الحاج (م ك) نبيلا وينسجم مع توجهات التنمية والحكومة الملتحية ، فإن ما تمطرق به الوزارة آذاننا هو من قبيل اللغو ، وإذا كان بلاغ وزارة التربية الوطنية فيما يخص محاربة الغش أمرا جديا فمالذي تنتظره المصالح الأمنية لفتح تحقيق قضائي لوضع الأمور في نصابها؟