اكتملت أوصاف المغرب السياسي، عندما أصبحت الحكومة هي التي تشكك في الانتخابات المقبلة، وتتساءل عن مدى جديتها وشفافيتها. واكتمل المشهد السياسي في الأوصاف عندما وجدت المعارضة أن من «واجبها» أن تحافظ على سمعة ماركة المغرب في تدبير الانتخابات.. وتوقيف التشكيك في عملية اقتراع لم يحدث بعد! الحكومة، المقصود بها رئاستها بالتحديد، ومن ورائها حزب العدالة والتنمية، وهو يستكثر على نفسه القدرة علي تغيير الأمور من الداخل، ويستكثر على نفسه القدرة على فرض نزاهة وشفافية ونتائج لا تحتاج إلى الطعن. لماذا يشعر، بالرغم من إعلانه أمام البرلمان، أنه يشعر بسعادة ديموقراطية منقطعة النظير وهو يشرف على الانتخابات، و يشعر بنفس القدر من الطمأنينة، وهو يفوض لوزيره في الداخلية تدبير هذا الملف، لماذا يشعر بأنه مطالب بالاستباق للتشكيك في هذه النتائج؟ أولا، لأن التشكيك، كعملية استدراج وساتر دخاني، اشتغلت بشكل إيجابي في الانتخابات السابقة، التي تلت انتفاضات الربيع العربي، ومطالب 20 فبراير. قبلها، كان العدالة والتنمية يتصرف على أنه يملك، بيده وبيد مخاطبيه من الداخلية،ما يفرض على نفسه التقزيم الذاتي، بما يجعله يبدو رسائل طمأنة للحقل السياسي المغربي.. الأوضاع في المنطقة، تونس ومصر تحديدا، أخرجت شقيقات التنظيم الحزبي الذي يرأسه بنكيران من دائرة التواري إلى واجهة المشهد السياسي، والتنظيمات التي عاشت، طوال عقود خارج دائرة الرهان الانتخابي، لاسيما في تونس أصبحت تمتلك الشارع والصناديق، وبدا أن حزب العدالة له الأولوية في أن يسارع إلى الاصطفاف في كوكبة الأوائل: لماذا يخرج المختبئون لعقود إلى الواجهة، يتصدرون الدولة، في حين تبقى تجربة العدالة والتنمية خاضعة لفواصل الزمن السابق عن الربيع العربي؟ الوضع في المنطقة، وانتقال التنظيمات الإخوانية من السر إلى العلنية حركت الشهية في أن تستقبل حركة العدالة، الاحتمال المغربي بترشيح نفسها لنفس الدور في تولي تدبير الربيع العربي مع الدولة. ولهذا كان الخروج، نهائيا من الساتر الداخلي إلى العلن إيذانا بالتفاوض أمام الملأ، وعلى قاعدة استحقاق معمم.. هل يمكن أن ندخل ما يحدث اليوم في هذا السياق: هذا الاحتمال لا يمكن إلغاؤه، ليس فقط باسم «المسمات» السياسية الوطنية، بل أيضا لوجود قرائن ترفع حوادث بعينها إلى درجة .. الوقائع: 1- يبدو المغرب السياسي مرهونا إلى أجندة الحزب الذي يقود الأغلبية، فعوضا عن الشروع في التفعيل العملي والمؤسساتي لمغرب ما بعد 2011، باعتبارها لحظة تأسيس وطنية جماعية، يصر الحزب القائد للأغلبية على أن يجعل من هواجسه السياسية محور الحياة الوطنية، ومن هذه الهواجس، هدفان رئيسان، أولهما الحرص على تكريس خصومة سياسية حزبية (ضد حزب بعينه أكثر من غيره)، من داخل الدولة نفسها، التي يتهمها بأنها صاحبة حقوق تأليف هذا الحزب والمالكة لبراءه اختراعه( وهي مفارقة ثانية تنضاف إلى المفارقة الأولى). وهنا تصبح الدولة ساحة خصام سياسي بين حزب قادم من ضواحي الحقل السياسي للدولة، وآخر متهم بأنه يقطن في شارعها الرئيسي. وثاني الهاجسين هو إصرار الحزب الأغلبي على تعليق التنفيذ الاستعجالي للبند الديموقراطي، كما نص عليه الدستور الجديد، لفائدة التطبيع مع محيط المركز الملكي للدولة. وهما هاجسان يقيمان الدليل على أن «تفاوضات»قبيل 20 فبراير وما بعدها ما زالت مستمرة، بوسائل مختلفة، كما تكون السياسة استمرارا للحرب بوسائل مغايرة. وقد بلغت حالة التجريب في التفاوض مع الدولة، من خلال التفاوض مع الداخلية، درجة من الوضوح وصل إلى درجة القطيعة، وذلك عندما طالب الحزب الأغلبي «بمراقبة دولية للانتخابات». ونحن نذكر أن ذلك تزامن مع إعلان حزب الاستقلال نيته في الخروج من الحكومة، وتواتر الحديث عن انتخابات سابقة لأوانها ( لم يكن الحزب الأغلبي يستنكف عن استعمالها والتعلل بها في كل خطاباته)، واستخلص الذين يفكرون لرئاسة الحكومة أن ذلك معناه نسف الحكومة لكي يسقط عمودها الفقري. وقتها كانت معادلة التفاوض هي كالتالي: إذا كان ولا بد من أن تسقط تجربة بنكيران، والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، فيجب أن يتم ذلك بحضور دولى! وهو مايعني الرفع من سقف التشكيك، بلغة متداولة في ميدان التداول الحقوقي العالمي، مما يجر المغرب إلى الوقوف تحت أضواء الرقابة الدولية لانتخاباته السيادية. هو نفس المنطق الذي يترجم حاليا بالتشكيك المباشر والبسيط المفهوم في الدارجة السياسية التي لا تحتاج إلى فك الشيفرات.. ويعتبر التشكيك «المحلي» استمرارا للتشكيك الذي يستدعي المراقبة الدولية للانتخابات، باختلاف طفيف في الدرجة لا في الطبيعة! 2 - اعتبار كل القضايا مرهونة بالانتخابات التي من واجبها أن تكرس هيمنة - أو على الأقل- تصدر الحزب الأغلبي للنتائج، وغير ذلك من القضايا، يمكن أن تنتظر الحسم أو تؤجل، وإن كانت لا تقبل التأجيل. وغير ذلك فالوصفات موجودة: تعاليم صندوق النقد الدولي للإجابة عن أسئلة المجتمع والاقتصاد ورهن السوق الاقتصادية لها. والأنكي من ذلك، هو ربط كل ذلك بالاستقرار السياسي في البلاد، والتهديد بنفسه، في حالة ما إذا لم تتم الاستجابة لطلب الهيمنة و البقاء في الحكم: شكل تفاوضي آخر يضع الاستقرار، لا كقاعدة عمل وطن، بل كمنبر تفاوضي على مكانة في الخارطة السياسية. إن المقصود، عموما، هو أن تكون الانتخابات القادمة مجرد تمرين يثبت ما تم الوصول إليه في سياق الغليان الإقليمي وتحرك الشارع المطالب بالتغيير. وحتى وإن حصل تغيير مهم في الترسانة الدستورية للبلاد، فإن ما يجب أن يبقى فوق هذا المنجز، هو بقاء الإسلام السياسي في السلطة وداخل الدولة، وعليه على الانتخابات أن تكون سطحية، ومجرد تقنية لكي يبقى المستقبل السياسي وفيا لما تم تحقيقه في مفاوضات ماقبل وإبان وبعد 20 فبراير! أي انتخابات صورية تزكي وضعا تم في إطار موسوم بالترقب والرهبة والتفاعلات الإقليمية والدولية ..