تم الاتفاق مبدئيا على لقاء خاص مع حسن بوهمو, الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للاستثمار، الرجل الذي يشرف على تدبير ثروة ملك المغرب، فرصة نادرة لأننا ندخل مكانا عادة ما يكون مغلقا بإحكام، لأنه المركز الحيوي لملايين العرش. حذرنا أحد العارفين بدواليب الملكية مسبقا من المفاجأة التي قد نكشفها بلقاء هذا الرجل «»سيستقبلكم وهو يدخن السيجار، جالسا وراء مكتب كبير فاخر، لا تنخدعوا، فالرجل ذكي جدا ولبق ونافذ...) ومثل نجم غناء مشهور يريد التخفي، غير حسن بوهمو خططه في آخر لحظة، استقبلنا في أحد مكاتب الطابق السادس من العمارة التي تحتضن مقر الشركة الوطنية للاستثمار بالدارالبيضاء، لم نلحظ أي مظهر من مظاهر البدخ بين جدران هذه البناية باستثناء صور الملك محمد السادس العديدة... جالسا على كرسي بلباس أنيق, طلب بوهمو منذ البداية الاعتذار «»إذا ما تاهت أفكاري أو فقدت خيط التحليل، أعذروني فنحن في شهر رمضان والنهار طويل«« في سن 46 سنة، ورغم الصيام يبقى الرجل أحد أكثر رجال المغرب نفوذا، فهو المشرف على ثروة الملك ويعرف الأسرار المالية للمملكة كبيرها وصغيرها, وهو شيء ليس بالهين, لأن جلالة الملك ليس عابرا لا يملك شيئا.. فحسب مجلة فوربس يحتل ملك المغرب المرتبة الأولى في تصنيف ثروات ملوك افريقيا بثروة تقدر ب 2 مليار دولار! وبوهمو يرأس الشركة الوطنية للاستثمار, وهو بذلك مسير للهولدينغ الملكي «»سيغر»« (جناس لكلمة regis التي تعني باللاتينية للملك) الذي يجمع ممتلكات العائلة المالكة من ضمنها... الشركة الوطنية للاستثمار. بوهمو «»نتاج خالص للنخبوية الفرنسية« «درس بثانوية ليوطي بالدارالبيضاء ثم المدارس التحضيرية بثانوية لويس لوغران بباريس, حصل على دبلوم مدرسة المناجم... يقول عنه جان بيرلوفاد الذي اشتغل طويلا كمستشار بنكي بالشركة الوطنية للاستثمار «»لديه تصور للمغرب، بوهمو يحب بلده, وله معرفة دقيقة بنقط قوته ونقط ضعفه, لديه نقط مشتركة مع جيل كبار الموظفين الفرنسيين الذين ساهموا بعد التحرير في تحديث فرنسا وساهموا في سنوات الازدهار... بعد وفاة الحسن الثاني، ورث محمد السادس مع أخيه وأخواته الثلاثة مجموعة أونا - سينا, المجموعة الاقتصادية الخاصة الأولى في البلاد, الرمز السابق للمصالح الفرنسية في عهد الحماية، ورائدة الرأسمالية المغربية وكل الشباب حاملي الشهادات يحلمون بالعمل داخلها، حتى الأميرة للاسلمى زوجة محمد السادس، اشتغلت في المجموعة قبل زواجها ,المجموعة حاضرة في حوالي 40 قطاعا اقتصاديا: التوزيع، السيارات المناجم، الزيت، السكر، الماء المعدني، الابناك، الاسمنت... الخ.. علامات المجموعة تشكل جزءا من الحياة اليومية للمغاربة، بشكل مهيمن ينتقده البعض.. المعارضون للملكية ينتقدون هذه الهيمنة ويصفون هذه المجموعة بالأخطبوط، الذي يتحكم في الاقتصاد. وفي الصحافة وفي بعض الأحيان خلال المظاهرات ترفع شعارات تنتقد الملك ومستشاريه وهيمنته المالية. ويقول أحد المتتبعين «أونا -سنيا كانت متهمة بكونها تستفيد في بعض الاحيان من وضعية الاحتكار الفعلي««والانتقادات الحادة تتعلق بتضارب المصالح في مجال الصناعة الغذائية، حيث كانت الشركات الملكية تتلقى الدعم من الدولة. يقول حسن بوهمو في رده. ولو انه غير مقنع» »كنا دائما نلعب دور الريادة وهدفنا كان دائما هو تحديث الاقتصاد المغربي. استثمرنا في قطاعات مستقبلية من أجل خلق رواد وطنيين، لدينا مساهمون على المدى البعيد لا يشتغلون فقط على الربح« ..». التحق حسن بوهمو بالدار سنة 2001 وفهم بسرعة أنه لابد من تغيير جذري لهذا النظام الذي وصل الى نهايته، والمجموعة اصبحت مصنع غاز بمساهمات كثيرة واختيارات استراتيجية غير واضحة وهيكلة هرمية معقدة، ويرى بوهمو ان «تغيير الشركة الوطنية للاستثمار يشكل تحديا وجوديا. فمغرب سنوات 70 ليس هو مغرب سنوات 2010 بلدنا يتطور في مجال المؤسسات. و الحكامة والنموذج الاقتصادي« «وصدرت خارطة الطريق في بلاغ صحفي مطول يوم 25 مارس 2010. كان ذلك بداية المناورات الكبرى، ويوضح احد العارفين بالسياسة المغربية قائلا: »هذا التموقع الجديد بدأ تنفيذه قبل الربيع العربي. سياسيا كان ذلك تصورا استباقيا. كان بمثابة طريقة لإظهار أن ملك المغرب يتخلى عن جزء من ثروته» اندمجت مجموعة اونا مع الشركة الوطنية للاستثمار- الشركة الام- وانسحبت من بورصة الدارالبيضاء وتحولت الى هولدينغ مساهمات مالية ذات أقلية. ولم يعد المساهم محمد السادس مقاولا ,بل مستثمرا, وبالتالي لم يعد التدبير مباشرا. انسحب الملك من القطاعات التي تعرف مشاكل. وفي غضون بضعة اشهر تم التخلي عن ثلاثة اقطاب في الصناعة الغذائية لفائدة مجموعات اجنبية. زيوت كريسطال لوسيور لفائدة المجموعة الفرنسية صوفيبروتيول، المركزية للحليب لفائدة مجموعة دانون, ومنتجات «بيمو» لفائدة المجموعة الأمريكية كرافت مندليز. وتم التنصيص في عقد البيع على التزام المشترين بالاستمرار في الاستثمار بالمغرب. في السنة الماضية أنهت الشركة الوطنية للاستثمار اصفقة بيع %27,5 من شركة كوزيمار لانتاج السكر (التي يعيش من ورائها حوالي 80 الف من مزارعي الشمندر وقصب السكر) لفائدة العملاق الآسيوي فيلمار. و يؤكد سعيد , أحد موظفي الرئيس المدير العام لشركة بيمو موندليز «مجموعات دولية كبرى اشترت فروعنا، وهو مؤشر قوي. غالباً ما نضع جميع دول المغرب العربي في سلة واحدة، ونخلط كل شيء. الربيع العربي، الوضع في ليبيا أو في مصر. ويظهر المغرب كقطب استقرار في المنطقة وكنقطة انطلاق جيدة للذهاب لاكتساح افريقيا«« وبموازاة مع ذلك، استثمر رجال محمد السادس في صناعات مستقبلية مثل الاتصالات (إنوي) أو الطاقات المتجددة (نافيرا)، هذه الأخيرة وبشراكة مع مجموعة غاز فرنسا سويس، بنت أكبر حظيرة للطاقة الريحية بافريقيا في طرفاية جنوب المغرب. ومع ذلك، تبقى بعض الشكوك، ماذا لو كانت طلبات العروض مصنوعة على مقاس شركات الملك؟ بالنسبة للبعض، الملك يتابع استثماراته من بعيد. يتم إخباره بالمشاريع وينظر بانتباه للنتائج، ولكن سيكون مجرد مبالغة القول بأن الملك يقرر في كل شيء. لكن مع ذلك، نعرف أن محيطه المؤلف من حوالي 100 من المستشارين لم يفقد شيئاً من قوته، ونعلم أن عهد مفاجآت القصر والإبعادات المدوية لم ينته تماماً. فإبن عم الملك مولاي هشام الذي يعيش في الولاياتالمتحدة يقول في كتابه»يوميات أمير منبوذ»« الصادر في أبريل الماضي، أن ما نسميه المخزن في المغرب هو سلطة وراثية جديدة تمنع تطور الاقتصاد... نظام اقتناص وإخضاع لا يمكنه تحرير الطاقات الاقتصادية، ويدعو إلى كسر وتدمير هذه السلطة.. وبالتأكيد، كنز الملك يثير الكثير من الشائعات والحسد.. بتصرف عن مجلة »لوبوان« أغنى خمسة ملوك في إفريقيا محمد السادس ملك المغرب: 2 مليار دولار أوبا أوباتيرو اكينرونتان، ملك أوغبو (نيجيريا: 300 مليون دولار أوبا أوكوناد سيجواد ملك إيفي (نيجيريا: 75 مليون دولار مسواتي III ملك سوازيلاند: 50 مليون دولار أوتو مفو أوسي توتو II ملك أشانتي (غانا: 10 ملايين دولار