أكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة، عمر هلال، أول أمس الخميس في نيويورك، أن الوقاية من النزاعات تشكل أحد التوجهات الرئيسية للسياسة الخارجية للمغرب، الذي عمل على الدوام على تشجيع قيم التسامح والحوار والتشاور والتفاوض. وقال هلال، الذي كان يتحدث أمام مجلس الأمن في إطار نقاش عام حول الوقاية من النزاعات، أن «المغرب جعل من الوقاية من النزاعات من بين التوجهات الرئيسية في سياسته الخارجية، وعمل باستمرار والتزام وعزم لفائدة تعزيز قيم التسامح والحوار والتشاور والتفاوض في إفريقيا والشرق الأوسط». وأبرز السفير أن هذا النقاش يأتي في وقت يهتز فيه العالم على إيقاع العديد من النزاعات وانتشار التطرف والإرهاب والتعصب الذي يحصد ضحايا أبرياء ويتسبب في فظائع مدانة، مشيرا إلى أن الوقاية من النزاعات، المنصوص عليها في المادة 1 من ميثاق الأممالمتحدة، يوجد في الواقع في صلب مهمة الأممالمتحدة. وبعد أن سلط الضوء على مساهمة المملكة في منع نشوب الصراعات، والذي أضحى الآن ضرورة دولية، ذكر الدبلوماسي بخطة عمل الرباط المتعلقة «بحظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف»، وهي الخطة التي تكتسي، حسب قوله، أهمية خاصة تأخذ بعين الاعتبار الأسباب العميقة للنزاعات الأخيرة، والتي في كثير من الأحيان ذات طابع عرقي أو طائفي. كما شدد هلال على أهمية المؤتمر الدولي لحوار الثقافات والأديان، وهي المناسبة التي تم خلالها اعتماد «نداء فاس»، الذي أكد بشكل خاص على الحاجة لأشكال جديدة من التفاعل والتفاهم بين الحضارات. كما أكد، من جهة أخرى، على ضرورة تعزيز الوساطة كآلية للوقاية من النزاعات، والتي يدعمها المغرب بطريقة فعالة، والذي ترجم الالتزام حيالها بالخصوص في مبادرة مشتركة مع إسبانيا حول الوساطة في البحر المتوسط. وفي السياق نفسه، ذكر هلال بأن المملكة تعتبر عضوا نشيطا لشبكة «أصدقاء الوساطة»، وهي المبادرة التي تترأسها كل من تركيا وفنلندا، معربا عن دعم الرباط للجهود التي تبذلها الأمانة العامة للأمم المتحدة لتشجيع وتعزيز أدوات الوساطة. كما أشار الدبلوماسي إلى أهمية أدوار مختلف آليات الأممالمتحدة، بما في ذلك المكاتب الإقليمية للمنظمة، في الوقاية من النزاعات، معتبرا بالمقابل أنه من الضروري زيادة الموارد البشرية والمالية لهذه المكاتب، وكذا المبعوثين الخاصين للأمين العام من أجل ضمان كامل النجاح في مهامها. واعتبر أنه على الرغم من مساهماتها الإيجابية الأكيدة، تواجه هذه الآليات صعوبة التأقلم مع تغير طبيعة النزاعات، والتي أصبحت أكثر فأكثر نزاعات داخل الدول ذاتها، ملاحظا أن هذه الآليات لم تمنع من تفاقم الوضع، خاصة في منطقة الساحل وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان. وأضاف هلال أن هذه الأوضاع ألقت الضوء على ضرورة إيجاد مقاربة شاملة ومتكاملة للوقاية من النزاعات، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعتها المتغيرة، خاصة مع ظهور تهديدات مرتبطة بالإرهاب والنزعات الانفصالية، وكذا الأسباب العميقة الكامنة وراء ذلك. وشدد على أنه من المفيد مراجعة هذه الآليات بشكل يسمح بتبني مقاربة خلاقة، وإشراك فاعلين آخرين يمكن أن يكون لهم أيضا تأثير إيجابي. وبالنظر إلى أن الدول تعتبر المسؤولة، في المقام الأول، على الوقاية من النزاعات داخل بلدانها، أوصى هلال بتكثيف الدعم المقدم إلى الدول التي تطلب ذلك، خاصة في مجال المساعدة التقنية وتعزيز قدراتها الوطنية. وقال السفير أيضا أن الانخراط المتزايد للمنظمات الإقليمية والشبه الإقليمية في إفريقيا يستحق أن يتم تأكيده، مشددا في هذا السياق على أن الاندماج الإقليمي ضروري كعامل وقائي مما يقلل بشكل كبير من مخاطر نشوب النزاعات. في هذا الصدد، لفت الدبلوماسي المغربي انتباه المجلس إلى أن الأحداث الأخيرة بشمال إفريقيا والعراق وسوريا أظهرت بوضوح أن الدول التي لديها مؤسسات قوية تمكنت من تجنب الحروب الأهلية، بينما في دول أخرى، توجد مجموعات مسلحة متقاتلة، مع ما لذلك من عواقب على جميع بلدان المغرب العربي والشرق الأوسط، مؤكدا بالتالي على الضرورة الملحة لتعزيز التعاون بين دول الجوار. ولم يفت السفير الإشارة إلى أن الوقاية من النزاعات تمر أيضا عبر ضمان مشاركة أكبر للمجتمع المدني، لاسيما تمثيليات النساء والشباب، معتبرا أن هذه المشاركة يتعن أن يتم تشجيعها، لأنها قد تكون ذات تأثير إيجابي في مجال تعزيز الحوار والمصالحة. واعتبر هلال أن الوقاية من النزاعات، تتطلب العمل الجماعي للمجموعة الدولية، من خلال الانخراط في جهود التشاور والتفاوض والوساطة، عوض التحرك البعدي، مع ما يرافق ذلك من مخاطر تأزيم الأوضاع. وخلص إلى أن هذه الصعوبات يمكن تجاوزها من قبل مجتمع دولي ومجلس أمن متحد واستباقي وملتزم، عبر تشجيع العمل التطوعي والعزم والحوار والتشاور والمفاوضات.