وأنا أتابع ملف العميد العربي رفيق في الصحافة الورقية والالكترونية الوطنية، رئيس منطقة أمنية بالقنيطرة، والذي كان قبل ذلك رئيسا للمفوضية الأمنية بسيدي سليمان، تمكنت أخيرا من حل لغز قضية ذهب ضحيتها أحد الأقارب لعائلتي. وقبل أن أسرد حيثيات هذه القصة المحزنة، التي أتذكرها بحصرة شديدة لكوني لم أجد لها تبريرا ولا تفسيرا مقنعا في تلك الفترة، أود في البداية أن أبلغ القارئ أنني أفترض إلى حد بعيد أن الأحداث التي تتعلق بقضية هذا الشاب لها بدون شك ارتباط بما جاء في الكتابات الإعلامية في موضوع النزاع المهني ما بين رئيس المنطقة السالف الذكر ووالي أمن القنيطرة الجديد عبد الله محسون. 1 . أهم ما جاء في الكتابات الإعلامية في هذا الملف أن مدينة القنيطرة تعرف صراعا ما بين مسؤولين أمنيين من العيار الثقيل، الأول هو والي الأمن الذي عين مؤخرا، والثاني رئيس منطقة أمنية (كان قبل ذلك رئيسا للمفوضية الأمنية بسيدي سليمان). إنه صراع عرف تطورات إلى درجة جعلت المديرية العامة للأمن الوطني تتدخل في القضية من خلال الفرقة الوطنية للشرطة القضائية وذلك من أجل القيام ببحث مستفيض في النازلة. النقطة الهامة الأولى في هذا الصراع، والذي له ارتباط بما حدث لقريب العائلة الشاب (ر.ش)، هو إثارة زوجة رئيس الفرقة الأمنية في موضوع النزاع المهني بينه وبين والي الأمن. لقد ورد في كل المقالات التي قرأتها في هذا الموضوع أن والي الأمن قد تم اتهامه بالتحرش الجنسي بزوجة رئيس المنطقة السالفة الذكر (اتهامات ثقيلة تمس الأخلاق والشرف). النقطة الثانية في الموضوع تتجلى في قرار توقيف رئيس المنطقة بقرار من المدير العام للأمن الوطني على ضوء تقرير اللجنة المركزية. النقطة الثالثة تتجلى في التطرق إلى كون الزوجة الثانية لرئيس المنطقة الأمنية لها سوابق في رفع شكايات مماثلة ضد مسؤولين أمنيين بسيدي سليمان مواضيعها متنوعة كمحاولة تسميمها وقتلها وإثارة ظاهرة اللجوء إلى الشعوذة والسحر داخل دواليب الإدارة الأمنية في عهد إشرافه عليها كمسؤول أمني أول في المدينة. لقد ورد في كل الكتابات أن الزوجة المعنية (الزوجة الثانية) قد كانت طرفا في صراعات وتطاحنات وشكايات ضد عناصر أمنية بمنطقة أمن سيدي سليمان. لقد ورد كذلك أن هذه الزوجة كانت تتدخل بشكل غير مفهوم في مهام وأعمال زوجها والنيل من بعض عناصر الأمن وترتيب شكايات كيدية ضد خادمة كانت تعمل بالمنزل تتهمها بسرقة الحلي واتهامات ل»كومندار» سابق بسيدي سليمان تزعم أنه كان وراء محاولة الاعتداء عليها بحمام وسط سيدي سليمان. النقطة الرابعة والأخيرة تتجلى في استعداد المجتمع المدني بالقنيطرة لإصدار بيان يدين رئيس منطقة أمن القنيطرة ويستعرض تورط زوجته في نزاعات واتهامات كيدية لتصفية حسابات، وكذا تدخلاتها في قضايا رائجة لدى الأمن، مع الإشادة في نفس الآن بالمجهودات التي يبذلها الوالي الجديد لتصحيح الوضع الأمنية بالمدينة، وأن مبادرات هذا الأخير تتميز بالجدية والمهنية والصرامة. 2 . قضية الشاب قريب العائلة وارتباطها بما جاء في المقالات الإعلامية أعلاه نظرا لاهتماماتي في مجال الكتابة، لا أعير اهتماما كبيرا للقضايا المحلية المعتادة التي تروج بدوافع من هذا الطرف أو ذاك. ولذلك، فكل ما جاءت به اليوم الصحافة المكتوبة والالكترونية في موضوع التدبير الأمني لعبد الله رفيق لمدينة سيدي سليمان كنت أجهله تماما. وما أثارني، كما سبق أن أشرت إلى ذلك، هو إثارة اسم زوجة هذا العميد في أمور تدبيره للشأن الأمني. في يوم من أيام سنة 2012 (لا أتذكر التاريخ بالضبط) توصلت بمكالمة هاتفية من أم الشاب قريب العائلة وهي تبكي وتنوح. وعندما حاولت تهدئتها، ونجحت نسبيا في ذلك، سألتها عن سبب بكائها، لتتردد كثيرا بسبب الإحراج قبل الإجابة لتخبرني، بعد إلحاحي عليها، باعتقال ابنها ليلا. وسألتها : «أش دار هاد الولد، واش داه عند البوليس». وبعد نصف ساعة تقريبا توجهت إلى منزل أم الشاب، ودار بيني وبينها الحوار التالي على شكل سؤال/جواب: سؤال: متى تم اعتقاله؟ جواب: البارحة ليلا؟ سؤال: هل تم إبلاغكم بالاعتقال من طرف الشرطة؟ جواب: لا، لقد أبلغنا عن طريق أصدقائه اليوم؟ سؤال: لماذا اعتقلوه؟ جواب: لقد أخبرنا أن رجال الشرطة احتجزوا دراجته النارية من نوع سكوتر وهو عائد إلى المنزل؟. للتذكير أن مهنة هذا الشاب هي «مصلح» للدراجات النارية والهوائية، و»يشتغل» منذ سنوات مع «معلم» بحي الزاوية. تعقيب: إيوا من بعد، ياك موطورو هاداك وعندو لوراق، إذا خرق قانون السير عليه أن يؤدي الذعيرة؟ جواب: لقد أخبرنا أصدقاؤه أن عملية الاحتجاز تمت بدون أن يسلمه رجال الشرطة أية وثيقة. وللتأكد من التفاصيل، اكتشفت من خلال شهادات أصدقائه، أن شرطة المرور اعترضت سبيله، وأوقفته، واحتجزت دراجته النارية بدون أن تسلمه أي وثيقة (وصل، ذعيرة،...)، ونقلتها إلى مقر مفوضية الشرطة. وعندما توجه الشاب إلى مقر المفوضية للمطالبة بها، رفضوا حتى الحديث معه، الشيء الذي أثار غضبه. وعندما زاد من حدة احتجاجه على رجال الشرطة في المداومة، صفعه أحدهم، الشيء الذي زاد من غضبه وصراخه، ثم اعتقاله وإنزاله إلى المخفر. وبعد سماعي لهذه الشهادات، التجأت إلى كاتب فرع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليصاحبني لمقابلة رئيس المفوضية (العربي رفيق). وبالفعل، استقبلنا، ودار بيننا الحوار التالي: قلت له: إن الشاب (ر.ش) المعتقل في مخفر الشرطة هو قريب العائلة، فأجابني: «هاداك راه حيح علينا»، ونعت زوجتي بكذا وكذا، وكأنه «امحرش». وعندما سمعت كلمة «امحرش» أي «مدفوع» لم أجبه لأنني افترضت أنه يريد أن يلصق بي تهمة «التحريض» بسبب انتمائي الحزبي ومقالاتي الصحافية. لقد اكتفيت بقولي له: «السيد العميد، إنه شاب يحب دراجته النارية، «وراه معلم» في إصلاح وتركيب الدراجات النارية والهوائية، وأن احتجازها بدون سبب وبدون تسليمه أي وثيقة دفعه إلى التصرف بشكل غير لائق. وقال لي بالدارجة : «راه حيح عليا بالليل و»الدار» فوق تيسمعوا. وكيف ما كان الحال يكون خير». للتذكير لقد استقبل في نفس اليوم والدي الشاب المعتقل. الغريب في الأمر أننا في الوقت الذي كنا نتحدث معه، كان الشاب يحاكم، لنتفاجأ بعد ذلك أنه حوكم بسرعة فائقة بخمسة أشهر نافذة، لتستأنف النيابة العامة ليصل الحكم في الأخير إلى عشرة أشهر نافذة. باستحضار ملف هذا الشاب، الذي «اتسخ سجله العدلي لمجرد أنه طالب باسترجاع دراجته»، وأنا أتابع الكتابات في شأن قضية والي الأمن ورئيس المنطقة الأمنية رفيق، اكتشفت أن هناك خيطا رابطا مفترضا جدا بين الملفين. إنه خيط رابط لم أفهمه في حينه لأنني لم أكن على إطلاع بما يجري داخل إدارة المفوضية الأمنية بمدينة سيدي سليمان. إن ظهور هذا الرابط بين الملفين جعلني أرجح كون حدث احتجاز الدراجة النارية قد يكون مجرد ذريعة، وأن محاكمته السريعة لها ارتباط محتمل جدا بما اعترف به رئيس المفوضية عند استقباله لنا في شأن «إثارة الشاب، وهو يحتج على العميد، لعبارات مرتبطة بزوجته»، وأن رد فعل الشاب فهمه العميد كونه ناتج عن «التحراش»، وأنه قد تم افتراض كونه مدفوع من طرف بعض الجهات من رجال الأمن المتصارعين معه ومع زوجته أو من طرف جهات أخرى معادية له. وعليه، فليس بعيدا في هذا الملف، مع افتراض كون حدث احتجاز درجة الشاب النارية كان عاديا، أن يكون أمر اعتقال هذا الشاب وتسريع محاكمته قد اتخذه رئيس المفوضية تحت ضغط زوجته بعدما تمت إثارة اسمها في احتجاج الشاب. لقد تفادى هذا الأخير إجابتي على الاحتجاز غير القانوني للدراجة النارية سكوتر. لقد اعتقل الشاب، بدون سوابق عدلية، عشرة أشهر نافذة في سجن «وطيطة»، وتسبب ذلك في مآسي ومتاعب مادية ونفسية لعائلته (لم يسبق لأحد أفراد هذه العائلة أن اعتقل، أو دخل السجن، أو رفع دعوة قضائية ضد الغير). والغريب في الأمر، أن الدراجة النارية التي اعتقل بسببها لا زالت في حوزة مؤسسة الأمن إلى يومنا هذا، ولم يتم إرجاعها إلى مالكها أو والديه بالرغم من المطالبة بها. وبعد خروجه من السجن، تضامن معه أفراد عائلته، وساهم كل واحد بقسط من المال، واشتروا له دراجة نارية ثلاثية الدفع لكسب قوت يومه بمبلغ 7000 درهم. وبسبب خوفه من الشرطة، لا زال الشاب بعد خروجه من السجن يطالب أمه بالذهاب إلى «الكوميسارية» للمطالبة بدراجته «سكوتر»، حيث يقول لها دائما : «جيبوها واخا يبقا فيها غير الكادر».