في الحديث الصحيح يقول النبي صلى لله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به، اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه» خرجه مسلم في الصحيح عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ للَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ للَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ » ... جاء الرسول صلى لله عليه وسلم للناس كافة لإخراجهم من الظلمات إلى النور ... وخاصة ظلمات الظلم والممارسات الجاهلية والفكر والسياسة الطبقية المفقرة للفقراء والمهمشة لهم ... جاء مبشرا بالمساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية التي تحد من الفوارق الطبقية بهدف ليس تنظيم وتكريس الخصاص والفقر، بل لضمان إخراج الناس من ظلم الفاقة والعوز الذي قد يؤدي إلى التطرف والعنف والفوضى أو الكفر .. بجعل خيرات وثروات الدولة في صالح المستحقين والذين أشارت إليهم العديد من النصوص بالكتاب والسنة لتحقيق التضامن والتكافل المحقق للكرامة ... ..... ولينجز (ص) هذه المهمة العظيمة التي اختاره لله لها جعله يعيش يتيما .. ويشتغل بالرعي كما بالتجارة ... وكان في قلبه حب كبير للفقراء والمهمشين والمستضعفين .. وكان أمينا ومحترما عند الجميع .. فحفظ لسانه من كل كلام بذيء، كما حفظ سلوكه من كل استخفاف أو اعتداء أو تطاول على غيره .... كما أنه امتحن في طفولته وشبابه وكهولته، حيث تعرض للدسائس والمؤامرات والاتهامات الزائفة والمساس بعرض إحدى زوجاته، وتعددت محاولات قتله بالسلاح وبالسم واتهامه بالجنون و... وبقي صامدا ومدافعا بالقوة الفاضلة والصرامة العادلة والرحمة واللين المحبب للخير والتسامح ... إلى أن وافاه الأجل المحتوم ... وكان (ص) يصبر على المكاره والإساءات في سبيل نشر العدل وإعلاء كلمة الحق ونصرة المظلومين. وكان لا يغضب لنفسه ولا يكيد ولا ينتقم لها... ولا يسب معارضيه ومنتقديه، بل يصدقهم النصح ويدعو لهم بالخير والهداية ..ولا يستهزئ بهم أو يحتقرهم أو يسبهم أو يهينهم أو يكيد لهم ويتربص بهم ... إن الرسالة السماوية تتطلب أن يكون حاملها والمبلغة إليه بالوحي متشبعا بفطرة الله مع استعداده الحاسم والصريح لتنفيذ روحها وجوهرها الذي لايخلو من مرتكزات جوهرية تالية: - التوحيد والإيمان بالنبوة والرسالات ... - حسن الخلق وتجلياته في مختلف مناحي الحياة ومنها شؤون المرسل إليهم وبالأخص المستضعفين والفقراء والكادحين ... - وحسن التبليغ مع التسامح المشبع بالرحمة والمحبة والتجاوز البناء... فكان عليه الصلاة والسلام إلى جانب الفقراء والعامة يجالسهم، يتواصل معهم، يتضامن ويتعاطف مع قضاياهم، و يسعى من أجل إسعادهم ... فتعرض نتيجة لذلك إلى الانتقاد من البعض من الذين يعارضون مواقفه تلك ... في مثل هذا قال تعالى (.. فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا باذئ الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ) و روى عبد لله بن مسعود قال: « مَرَّ الملأ من قريش على رسول لله (صلى لله عليه وسلم) وعنده صهيب وبلال وعمّار وخبّاب ونحوهم من ضعفاء المسلمين.. فقالوا يا محمد؛ اطردهم، أَرَضيتَ هؤلاء من قومك؟! أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء؟! أهؤلاء مَنَّ لله عليهم من بيننا؟! فلعلك إن تطردهم أن نأتيك. قال: فنزلت: «وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ».. وكان (ص) يحب الخير للجميع ويسعى لتقوية أواصر العلاقات الإنسانية مع المسلمين وغير المسلمين، فيأكل معهم، ويزورهم، ويواسيهم، ويخفف عنهم معاناتهم، ويساندهم ...هذا قليل من بحار فضائل النبي ونهجه التي أراد أن يلقنها للبشرية ... إذ الإسلام المكتمل يكون بالمعاملات والعلاقات العامة وليس بالعبادات فقط... ومن هنا نريد فقط أن نسائل واقع الحال اليوم بالبلدان التي تصنف ضمن العالم الإسلامي، أين هي في سياساتها مع الشعوب، ومع الجيران، ومع غير المسلمين في علاقة بما كان عليه النبي (ص) أو بما نصحنا وأمرنا بفعله والعمل من أجله ؟؟ وسنقدم أحاديث نبوية لنضرب بها الأمثال لواقع السياسات الرسمية التي أنهكت الفقراء والشعوب .. وأنتجت وأفرزت نقيض ما يفرج الكرب ويحقق العدالة الاجتماعية دون أن نحلل أو نشرح ... ولينظر كل واحد نفسه أين هو مما قاله سيد الخلق / قال (ص) ..«...هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمَن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلّفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه» متفق عليه واللفظ للبخاري، وقال: «لا قُدِّست أمّة لا يعطى الضعيفُ فيها حقه غير مُتَعْتَع» وقال: «الراحمون يرْحمهم الرحمن، ارْحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء». وقال :«أذَلّ الناس من أهان الناس»، و«من أذلّ مؤمنا أذلّه الله» . وقال :«لا تُنزَعُ الرَّحمة إلا مِن شَقي» وقال: «أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، كسوتَ عورته، أو أشبعتَ جوعته، أو قضيت حاجته». وقال (صلى الله عليه وسلم) داعياً ربه: «اللهم أحييني مسكيناً وأمِتني مسكيناً، واحشرني مع المساكين». وقال : «أيما أهل عرصة أمسوا وفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله». ويعتبر الإمام علي رضي الله عنه أن مسؤولية الفقر تقع على عاتق الأغنياء قائلا: «إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي فقراءهم. فإذا جاعوا أو عروا أو جهدوا فبما منع أغنياؤهم وحق على الله أن يحاسبهم يوم القيامة و يعذبهم عليه ». وقال الفاروق رضي الله عنه : «توفي رسول الله ولم يبين لنا في الربا كثيرا». ولكنه الفقيه وعرف المقصد فحبس الأغنياء ومنعهم من التجول في الأمصار، وهذا تصرف لم يأت فيه تشريع، ولكنه يعرف أن المقصد هو القضاء على الجشع وتكديس الأموال والفساد بالفارق الطبقي. وقال: «إنهم يريدون أن يتخذوا مال الله معونات دون عبادة الله». وقال في آخر أيامه: «لو استقبلت من أمري ما أستدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين». ... قال الإمام الشاطبى - رحمه الله تعالى: «إذا خلا بيت المال وارتفعت حاجات الجند والناس وليس فيه ما يكفيهم فللإمام أن يوظف على الأغنياء ما يراه لهم فى الحال إلى أن يظهر مال فى بيت المال أو يكون فيه ما يكفى ووجه المصلحة فى هذا أن الإمام لو لم يفعل ذلك لبطلت شوكته وصارت الدنيا عرضة للفتن»... فتعلموا رحمكم الله من سيدنا عمر وسيدنا علي، واقتبسوا من هدي السلف الصالح المحب للفقراء والانسانية، وانتبهوا أن تقعوا في مصائد الصناديق الدولية التي لاترى من اقتراحات لعلاج الأزمات الناجمة عن السياسات الفاشلة أو التردي الاقتصادي الذي يفوق الطاقات والقدرات إلا بالمزيد من التفقير والبطالة ورفع الأسعار والأضرار بالقدرات الشرائية لعامة الناس ..... ونختم بمقولتين، الأولى لفيلسوف، والثانية لمعاوية، سائلين الله أن لا تكون سياسات من يحكم عوالم اليوم تنبني ما قاله معاوية ... قال الفيلسوف جان جاك روسو (1712 - 1778) «إذا أردتم أن تمنحوا الدولة ثباتاً فقربوا بين الطرفين الأقصيين ما استطعتم، ولا تحتملوا وجود أناس أغنياء وفقراء، فهذان الحالان اللذان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر بحكم الطبيعة هما كذلك شؤم على الخير العام، فمن أحدهما يظهر أعوان الطغيان، ومن الآخر يظهر الطغاة، وبينهما تقع معاملة الحرية العامة، فأحدهما يشترى والآخر يبيع». بينما جاء معاوية وقال: «إنما المال مالنا والفيء فيئنا، فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا منعناه» فكان الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري يناطح الطغاة ويناصر الفقراء ليسترد لهم حقوقهم و يصرخ في وجه معاوية قائلا:«أغنيت الغني، وأفقرت الفقير. ويتلو الآية: «والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم» . ويرد معاوية : نزلت فى أهل الكتاب...» والسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين