قال الممثل المغربي محمد بسطاوي في حوار سابق لما سألناه: ماذا تعني له الشهرة؟ فأكد «بأنه ليس مشهورا». مضيفا في السياق ذاته أنه فنان لم يسبق له أن جاءه هذا الإحساس بالشهرة، فهو دائما يشعر بأنه فنان عادي، وزوجته الممثلة المغربية سعاد النجار تشاطره الرأي في ذلك، موضحا أن التمثيل والفن هما موهبة من الله، مشيرا إلى الأفلام التي لعب أدوارها لم يتكلف أو يتصنع في تأديتها، ولهذا السبب يقول لم يصب بالغرور. والواقع أن محمد بسطاوي من الأسماء التي لمع نجمها، وصار يحظى باهتمام واحترام الجمهور المغربي الذي يتابع أعماله التلفزيونية والسينمائية؛ نظرا لقدرة هذا الفنان التعبيرية، وتجسيد شخصيات واقعية وخيالية، هي الأقرب إلى المجتمع المغربي، لما في ذلك من أدوار تتراوح مابين السخرية والجدية، وأحيانا كثيرة نرى فيها تجسيد لمظاهر الشر والقسوة. ويذكر أن محمد بسطاوي تألق في أوجه متعددة في التمثيل، ولعب أدوارا متنوعة ومختلفة ومنها الأدوار البدوية. ولماذا محمد بسطاوي لا يتقمص دورالشخصية الطيبة، وحول هذا الاختيار قال: «لا أكذب عليك حين أقول لك أنني أختار دوري، لما أجري الكاستينغ، وإذا كان الدور الذي سألعبه بقواعده فإنني أضيف إليه في بعض المرات بعض المُملحات، كي لايبقى العمل بلا مذاق، وقد أقترح أحيانا على المخرج بعض الإضافات، هذا إذا كان المخرج يهتم بإدارة الممثل، لكنني أنا ضد الشخصية النمطية وخاصة الشخصية التي يمكن أن ينجح فيها الممثل في فيلم ويتحول بعد ذلك هذا الفيلم إلى سلسلة تلفزيونية. ولكي يقربنا ابن مدينة خريبكة (المدينة العمالية والمناضلة بامتياز) من الحياة الاجتماعية البسيطة أي تلك التي يعيشها قال: أنه لا يزال يقيم في حارة باب سبتة، بالمدينة العتيقة بسلا، وهي حارة شعبية، تطل على نبض شرائح مختلفة من المجتمع المغربي، إذ يتواجد فيها الباعة المتجولون وباعة الخضر والسمك. ويضيف محمد بسطاوي موضحا في هذا الجانب «لو كنت مشهورا لما كنت أسكن في هذه الحارة الشعبية»، كما أشار في ذات الوقت إلى أنه أحيانا ينسى كونه يمارس شيئا اسمه التمثيل في التلفزيون، لكن الناس الذين يلتقي بهم في كل مكان؛ هم من يُذكرونه بذلك، معتبرا أن هناك الكثير من العوامل التي تجعله ينسى ذلك. ويقول محمد البسطاوي: «لأنني أخجل أن أقول بأنني فنان في المغرب، فالفنانون في المغرب لايعيشون حياة كريمة، فقط الفنانون الذي يوجدون في الخارج ومن جنسيات مختلفة هم من يعيشون في استقرار واطمئنان مادي على مستقبلهم، والسبب في ذلك أن مهنة التمثيل في المغرب فيها تسيب وفوضى وتطفل كبير من طرف أشباه الممثلين، في الوقت الذي يبقى فيه الممثل الحقيقي في عطالة». واعتبر محمد بسطاوي هذه «الفوضى» التي تطبع بعض مظاهر المشهد السينمائي بالمغرب، ناجمه عن «التطفل» الذي يمارسه من أسماهم «أشباه المنتجين والمخرجين والممثلين ومديري المهرجانات»، في المقابل يقول بسطاوي نجد «عدم الإنصاف» الذي يعاني منه صناع السينما في المغرب من مخرجين وممثلين وغيرهم، بخصوص حقوقهم، خاصة منها الحقوق المجاورة. ومن جانب آخر طرح بسطاوي مشكل سياسة الدعم في المغرب وتأثيرها السلبي على الممارسة المسرحية، مشيرا إلى أن الهاجس الذي أصبح يمتاز به المسرح المغربي حاليا هو التجارة، وعلى صعيد آخر تطرق إلى مشكلة الملكية الفنية في المسلسلات التي يعرضها التلفزيون المغربي بقنواته والتي لايحصل فيها الممثل على حقوقه، ودعا إلى ضرورة المطالبة بالحقوق المجاورة، مشيرا في ذات الوقت إلى ضرورة مرتجعة بنود العقود المخجلة التي تبرم مع الممثلين المغاربة. الفن والندم : وحول جوابه على سؤال: هل سبق للفنان محمد بسطاوي أن ندم عن امتهانه حرفة الفن أم لا.. وخاصة في أوضاع الضيق التي قد تصيبه أحيانا، فأكد هنا أن المهنة التي اختارها يحبها وراض عليها، ولم يسبق له أن اشتكى لأحد عن ضيق الحال، ولو أنه أحيانا يبقى في شبه عطالة ولا يشتغل لمدة 6 أشهر، وحينما تشتد ذات اليد، يصبر على ذلك الحال، في انتظار الفرج لكنه يجد نفسه أمام عبئ أسري، لأن له خمسة أبناء وليس له أي مصدر رزق آخر يعيش منه، ورغم ذلك يقول والحمد لله قانع بكل شيء. ولهذا فأنا لم يسبق لي أن ندمت على الفن حينما اخترته كمهنة، وفضلته على الكثير من المهن، فقد كنت أشتغل في أوروبا، وكنت خلالها أربح الأموال الطائلة، وكانت عندي سيارة وأعيش في فيلا؛ في الوقت الذي كان فيه بعض الأصدقاء من المهاجرين ينامون داخل سياراتهم، و كل هذا الذي كان عندي، أي أني تركت الجمل بما حمل، وعدت إلى بلادي، إذ رأيت من الواجب أن أكون في بلدي، كما أن الفن هو الذي نادى و(عيَّط) علي، ولهذه الأسباب لم يسبق لي أن ندمت على هذه المهنة، لأنني أحس بالحرية في الفن، وأقوم بالأشياء التي أريد أن أقوم به أنا، ففي الفن أمارس الحرية والحرية هي كل شيء بالنسبة لي. المسرح والصدفة: وولادة بسطاوي الفنية كانت في الثمانينيات من القرن الماضي وكانت بالضبط في المسرح مع فرقة «مسرح اليوم» في مسرحية «بوغابة»، برفقة الممثلة القديرة تريا جبران، والتي لعب فيها شخصية المرأة، وهو دور رئيس حيث أجبرته الصدفة على أدائه مكرها، بعد أن كان له دور الخادم ، ودور المرأة لم يكن مقتنعا به، وهو البدوي الذي يعتبر هذا الدور تصغير من شخصيته. لذلك شكلت هذه البداية الفنية التي عرف فيها الجمهور المغربي الفنان محمد بسطاوي، إذ كان يرى في المسرح هو شعلة الفن وجمرته الملتهبة في يديه، وقد استفاد من المسرح كثيرا سيما مع مهرجان الهواة الذي كان هو المحك الحقيقي الذي صقل فيه موهبته وجعل نجمه يلمع، ومن هنا كانت له مشاركات من خلال عدة عروض قدمت بالعديد من الدول العربية، كما كان للتجارب النظرية والتطبيقية عبر تكوينات وتداريب في مجال المسرح إحدى الأسباب التي أهلته ليضع قدمه على خشبة المسرح بكل ثقة ويودع الخوف بصفة نهائية، وقد اعترف في أكثر من مناسبة على أن المسرح هو المحك الحقيقي لتجربته الفنية ومن خلاله انطلق إلى عالم السينما والتلفزيون. ويشار إلى أن مهرجان تطوان الدولي السادس عشر لبلدان البحر الأبيض المتوسط، كرم مجموعة من نجوم الشاشة الفضية المتوسطية ككلوديا كاردينالي ومحمود عبد العزيز. والفنان محمد بسطاوي واحد من الوجوه التي كرمت في افتتاح هذا المهرجان. وقال بسطاوي عن تكريمه: حضرت هذا المهرجان وفرحت كثيرا لأنه كان في السابق حُقرة تطال الممثلين السينمائيين المغاربة، منتقدا هذه الفوضى التي عمت في الفن المغربي وقال عن ذلك (لايصح إلا الصّح) واصفا بعض المتطفلين على الفن بأنهم يعارضون كل ماهو جميل ويخلقون أعداء وهميون. وبذلك اعتبرت لحظة تكريم هذا الفنان من اللحظات القوية في المهرجان لما فيها من دلالة ورمزية من حيث رد الاعتبار للفنان المغربي.