الأصيل محمد بسطاوي لم يمت أبدا ، ولن يمت حتما ، سيظل حاضرا في ذاكرتنا بإبداعه الرصين بأدواره السهلة المتمنعة ، بسحنته الملوحة بعبير الأصالة والتراث وعميق الوجدان ، لن أترحم على روح بسطاوي كما نفعل على سائر العادات ، سأقرا الفاتحة على روحه ، وأحزن عميقا في كل لحظة وحين ، في انتظار أن تجود الأرحام الحابلة بنظيره في مستقبل الأعوام. يفقد المغرب أبناءه تباعا ، واحدا تلو الآخر ، يغادروننا بغصة وبوجع كبير ، هي سنة الحياة وملحها منذ الأزل ، ومع أننا لسنا خالدين بالطبع ، ولا سوانا من مختلف الأجناس والموجودات .فإن للغياب معنى ، كما للصمت الأبدي نكهة، بلا طعم ولا لون ولا رائحة لكن بذكرى حميمة لا تمحيها الأيام والسنوات. منذ بداية الخليقة يرحل الكبار ....آدم..سيدنا إبراهيم ..هابيل قابيل ..الأنبياء والرسل ..العظماء .. السياسيون والمصلحون ... الشرفاء ...الزايدي .. باها .. بسطاوي والبقية تنتظر .. لذلك أشك في عملية نهاية رجل فنان بحجم الراحل محمد بسطاوي ، سيتغير الوضع طبعا، حيث من المتوقع أن يثير انتباهنا أكثر هو غياب تلك الإطلالة اليومية من على الشاشة على جمهور عاشق لفنه ، وعلى السيدة سعاد النجار التي أذكت مواهبه والأولاد الذين هم ملح حياته واستمرارها الأبدي ، إطلالة بهية يانعة متفائلة تزرع الأمل ، وتخصب الحياة في أرقى تجلياتها ، أما الباقي ، فا للراحل بسطاوي الحياة كلها ، و له المجتمع الكبير المتعدد الذي تشربه، وتمثل أعماقه بدهشة خلاقة تشد الأنفاس ، كما له التاريخ الحافل والمجيد ، ملك الشاشة المغربية بسطاوي فارقنا بعد أن استأذن، ذات سخاء بدم ، لأن علاجه الطويل ، صموده ،ووقوف زملائه وأصدقائه وزوجته والأسرة الفنية معه في محنته كان إيذانا بمفارقة ما . حدثني ضميري ذات صمت كئيب» وأنت أيها الأخرق ، لو جازفت مرة ، وعرضت نفسك على طبيب متخصص ، وأجريت فحوصا وكشوفات دقيقة ، لاكتشفت أنك متعدد العاهات ، وأحشاؤك مجرد خليط من العلل المتكتمة والأوجاع الصامتة والمغص المستعصي على الظهور ، وتابع ضميري يقول « عاهاتك حتما ستنفجر يوما يارجل ، لكن ، فقط كي تموت ، من دون أن تترك أثرا كما يتركه الكبار مثل بسطاوي وغيره من الشرفاء والصالحين بالمعنى السوسيولوجي للكلمة ...