كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في آخر تقرير صادر عنه، عن فضيحة التسيب الذي رافق العمل بالرخص الاستثنائية في مجال التعمير، حيث أوضح أن المسطرة التي تحولت من منطق الاستثناء إلى واقع القاعدة، تسببت في اكتساح الإسمنت ل 900 هكتار مخصصة لاحتضان منشآت ذات منفعة عامة، منها 420 هكتارا للمساحات الخضراء. وأشارت الدراسة إلى أن تعميم العمل بمسطرة الاستثناء أدى إلى المساس بالتوجهات الكبرى لوثائق التعمير وبمقتضياتها ، حيث فقدت هذه الوثائق قوتها القانونية لتُختزَل إلى مجرد وثائق استشارية. الدراسة وقفت ، أيضا، على أن مسطرة الاستثناء ساهمت في خلق نمط إنتاج عمراني موضعي يقف عند الحالة المعزولة وتغيب عنه الرؤية الشمولية، مما قد يؤدي إلى خلق التنافر وعدم الانسجام المجالي، مضيفة أن مشاريع السكن الاجتماعي في هذا الصدد، من بين المستفيدين من مسطرة الاستثناء، حيث أصبحت مصدر قلق، نظرا للمعايير المعتمدة فيها، وسجلت الدراسة تكدَس 230 وحدة سكنية في الهكتار الواحد! الدراسة ، أوضحت ، كذلك ، أن تكاثر الاستثناءات وتواليها، سيطرحان مشكل إدماج المشاريع المستفيدة من هذه المسطرة في وثائق التعمير، خاصة أنها تحول دون إدراج سياسات إعداد التراب في منظور تنموي مجالي مستدام، نظرا لأنها أصبحت تغير جذريا توجهات إعداد التراب المتضمنة في وثائق التعمير، مع خلق نوع من الاضطراب في التدبير العمراني والتخطيط المجالي، من خلال التسبب في كلفة إضافية غير مقررة، تتحملها الجماعات المحلية والسلطات العمومية. وأشارت الدراسة إلى أن إعمال مسطرة الاستثناء يتسبب في حيف اجتماعي واضح ، على اعتبار أن الجميع يجد نفسه ملزما بتحمل الكلفة الإضافية الناتجة عن تطبيقها، بينما البعض فقط هو الذي يجني أرباحها، إضافة إلى إغراق الأنسجة الحضرية القائمة بكثافة سكانية مفرطة، دون توفير مرافق عمومية تستجيب لحاجيات السكان، ما يؤدي إلى المساس بجمالية بعض الأنسجة، والتأثير سلبا في جودة حياة السكان. وأكد المجلس على أن العمل بمسطرة الاستثناء أدى إلى إنجاز مشاريع على أراض غير مجهَّزة، ومناطق للزراعة المكثفة، وأحزمة خضراء، ومحميات طبيعية، ومناطق مغروسة، والفرشات المائية، موضحا أن خمس المساحة المبنية سنويا كان من الأراضي الزراعية، خاصة في المدارات السقوية المحيطة بالمراكز الحضرية. الدراسة خلصت، كذلك ، إلى أن التأثيرات الايجابية الناتجة عن مسطرة الاستثناء تظل دون الاهداف المحددة في المذكرات، نظرا لهيمنة كفّة المشاريع العقارية (55 في المئة) مقارنة بنسبة المشاريع السياحية والصناعية ذات القيمة المضافة الكبرى (25 في المئة)، فضلا عن ذلك، ففي غياب أي وسيلة للتتبع والمراقبة، يتعذر معرفة مآل المشاريع التي حصلت على الموافقة المبدئية. و أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في دراسته أن نظام الاستثناء يحرم الدولة من وسائل مالية في إطار قانوني، من خلال اللجوء الى حلول مالية ظرفية ترقيعية، مضيفا أن التدبير العمراني ، من خلال المذكرات، يؤخر الاصلاح التشريعي والتنظيمي الضروري، خاصة وأن تدبير المشاريع وفق مقاربة تجزيئية دون رؤية مشتركة بين كل الفاعلين ، يؤثر سلبا في نمط الحكامة المحلية.