أبرز باحثون في علم الاجتماع أنه كلما دخل أرباب الأسر في حمأة البحث عن مفاتيح وحلول لأزماتهم ومشاكلهم اليومية، كلما اهتدوا إلى إبداع الحلول. وقال مهتمون بتربية الناشئة، من آباء وأساتذة، في حديثهم مع "المغربية" إنه كلما أشرك الآباء أبناءهم لملامسة الصعوبات، وأحاطوهم علما بما تتطلبه تكاليف الحياة، من إرهاق وإصرار واصطبار، كلما استطاعوا أن يربوا في أبنائهم خصال الصبر وحسن تقدير الظروف، ومعرفة القنوات، التي تمر عبرها الأشياء قبل أن تصبح لها قيمة معنوية ومادية. وبهذا الخصوص، أكد مصطفى، أب لخمسة أطفال، أنه في الوقت الراهن، "يعيش بالفعل الآباء على وقع العديد من المطالب، لكن ضعف الحال وعدم فهم الابن للظروف الاقتصادية لولي أمره، يجعله ينظر بعين كلها إحساس بالغبن والتقصير ويزيد من حدة هذا الإحساس، الأجواء المحيطة به في الشارع والمدرسة، وهذا ما يفرض على الآباء، يقول محدثنا، أن يفتحوا قنوات الحوار مع أبنائهم وإشراكهم في ما يعانونه من مشاكل، وتحسيسهم بأن قيمة الشيء ليست في الحصول عليه، بل في ما يعانيه الفرد من جهد لتحصيله". الطرح نفسه ذهب إليه عبد القادر، رب أسرة، مبرزا أن الآباء "يرتكبون الأخطاء عادة، عندما يستسلمون بسهولة لحاجيات أبنائهم، خصوصا تلك التي تصنف من الكماليات، التي تهدد القدرة الشرائية للأسرة"، ويرى محدثنا بدوره أن "الوقت الحاضر، المليء بالمغريات، يستوجب نوعا من التدبير العقلاني لمتطلباته، خصوصا بالنسبة للأبناء، إذ أنه كلما أحسسنا الطفل بصعوبة اقتناء مادة أو بضاعة معينة، كلما استطعنا أن نقنن رغباته وشهواته ونربيها على ضرورة التفريق بين ما هو ضروري في حدود اللبس والأكل ومستلزمات التمدرس، وما هو كمالي، الذي إذا خضنا في الإتيان به، نكون قد كسرنا المقاربة المنطقية لدى التلميذ أو الطفل لمطالبه". من جانبها ترى إحسان، مربية، أن تعود الطفل على الحصول على الكماليات دون أدنى عناء، "سيؤثر سلبا على سلوكه، ويجعله في غيابها وفي انعدام الوسائل لاقتنائها، عدوانيا، مستعدا ليسرق أو أن يلجأ إلى بعض الممنوعات لتلبية رغبته، وهذا في حد ذاته نوع من الإدمان، الذي تكون عواقبه وخيمة". ويزكي العديد من المهتمين بالشأن التربوي هذا الطرح، موضحين أن الآباء، لكونهم يرضخون لمطالب أبنائهم بكل سهولة، "يتناسون أن بناء شخصية الطفل تجري منذ سنواته الأولى، وكلما عودناه على أشياء بعينها دون أدنى تحذير وتدخل واعتراض، نكون قد ساهمنا في الإخلال بتكوينه في المستقبل". وأبرزوا في حديثهم مع "المغربية" أن النتائج الطبيعية والعلمية، تؤكد أن معظم أبناء "الفشوش" فاشلون في مسارهم الدراسي والحياتي، ومن هنا ترى المصادر ذاتها أن قلة ذات اليد في العديد من الأحيان "لها وقع إيجابي على أبناء العديد من الأسر، الذين عادة ما يكونون قادرين على تحويل عوزهم إلى قوة في المجال الدراسي"، ومن الطبيعي، يؤكد المهتمون بالشأن التربوي، أن "يولد المبدعون والعباقرة من رحم المعاناة، وتظهر الاكتشافات العلمية في خضم صراع مرير للإجابة على سؤال كيف ولماذا؟". ومن هنا، إن التربية في بعدها البيداغوجي، هي مجموعة مسارات يتحتم على المربين قطعها محطة محطة، وعدم الإخلال بأي منها، حتى نساهم في بناء شخصية إنسانية تحمل كل الحمولات الثقافية والعلمية والتربوية، التي تكون قادرة على مواجهة التحديات المطروحة على أرض الواقع، لأن العنصر البشري ثروة في أحشائها الدر كامن، فبقدر ما زرعنا في أوصالها الثمار الصالحة، بقدر ما نكون قد استطعنا الوصول إلى المثال الصيني القائل "لا تعطيني سمكة، بل علمني كيف أصطادها"، وكيفية الاصطياد، هي كيفية بناء العنصر البشري من أجل استثمار طاقاته وكفاءاته ليصطاد بذكائه الحيتان إن اقتضى الحال، فإلى جانب المدرسة، لمؤسسة الأسرة مسؤولية جسيمة في تأهيل أبنائها تربويا، كي يصبحوا خيرة رجال المستقبل، وهنا أصل التنمية البشرية.