مثلما اشتهرت مدينة مراكش ب"الطنجية"، أو "بنت الرماد"، اشتهرت بسيلها الجارف من الدراجات العادية، التي استوطنت منذ بداية القرن الماضي دروب وشوارع وأزقة وفضاءات المدينة المتنوعة. حكاية "عود الريح"، كما يحلو للمراكشيين تسمية الدراجة العادية، بدأت بدخول الأوروبيين المدينة، الذين وجدوا فيها وسيلة مريحة لقطع المسافات معتمدين على سيقانهم، وعلى جغرافية المدينة المنبسطة، التي تساعد على التحرك عبر الدراجة. اشتهر اسم"البيسكليت" بين أطفال المدينة العتيقة في الستينيات والسبعينيات، وإلى حدود السنوات الأولى من الثمانينيات، إذ وجدوا فيها وسيلة للعب والترفيه، وكان بعض "السّيكليسات" يقومون بكراء الدراجات مقابل 10 سنتيمات، فكان الأطفال يقبلون على كرائها بشراهة، خاصة في أيام العيد كنوع من الاحتفال والفرح. بامهاود، أحد أشهر هؤلاء "السيكليسات" بباب تاغزوت، الذي يشهد إقبالا كبيرا، واليوم، اختفت هذه الظاهرة، وانتقلت إلى الأحياء السياحية بين الفنادق، حيث انتشرت وكالات كراء الدراجات الهوائية للسياح الأجانب بأسعار باهظة. كان أحد سكان سيدي عبد العزيز بالمدينة العتيقة مشهورا باصطحابه الدائم لدراجته الهوائية، التي لم يركبها قط، لكنه يجعل منها رفيق الدرب، ويقودها في كل تحركاته، يسير على قدميه، ويداه تدفعان "البيسيكليت"، كما لو كانت رفيقته في الحياة، من فرط عشقه لها. لا يتعلق استعمال الدراجة الهوائية بمراكش العتيقة بالفقر أو الغنى، ولا بالإشباع أو الحرمان، إذ هناك من يفضل استعمالها رغم يسر إمكانياته، إنها بالنسبة إليه ليست مجرد وسيلة مؤقتة في انتظار إيجاد أحسن منها (سيارة أو دراجة نارية)، وإنما اختيار لأسلوب الحياة الذي توفره، وللعلاقة التي تربطها بالطريق، الذي يصبح معها مجالا للتأمل المتأني والانتشاء واللقاء، إنها علامة أخرى لمدينة الشمس والحلم والسقف القصير، و"البيسكليتات". كانت الدراجة الهوائية، التي تسير في الأزقة والدروب بدرجة مناسبة لضيقها، الوسيلة الأكثر تكيفا مع طبع المراكشيين، فهي حركة أكثر من البطء وأقل من السرعة تجمع بين التأني والحزم، تنتقل في الأماكن المزدحمة بسلاسة المياه التي تخط لنفسها مجرى بين الأحجار المتكدسة. تبلغ درجة الألفة بين المراكشي ودراجته حدا يغدو فيه متماهيا معها، كما لو كانت جزءا حيا منه، كما يؤكد ذلك العلوي مولاي أحمد، مصور صحافي (52 سنة)، في وصفه لعلاقته بدراجته، قائلا "أشعر أن الدورة الدموية في عروقي تمتد إلى دراجتي وتجري في أجزائها، إنها شيء ينتمي إلى كياني الخاص، ولا يمكنني التخلي عنه".